مدونة عبدالحكيم الأنيس


كانوا كثيرًا ما ينشدون (2)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


17/11/2021 القراءات: 891  



-جاء في كتاب "التوبة" لابن أبي الدنيا: "كان ابنُ السمّاك يتمثل:
يا كاتمَ الذنب أما تستحي اللهُ في الخلوة ثانيكا
غرّك مِن ربك إمهالُه وسترُه طولَ مساويكا".
وروى الثعلبي في "الكشف والبيان في تفسير القرآن" (10/146) قال: "قيل للفُضيل بن عياض: لو أقامك الله سبحانه وتعالى يوم القيامة بين يديه فقال: ما غرَّك بربك الكريم ماذا كنتَ تقول؟
قال: أقول: غرّني ستورُك المرخاة.
نظمَه محمد ابنُ السمّاك فقال:...".
وهذا يعني أنَّ البيتين لابن السمّاك، وكان يتمثلُ بهما.
****
-وكان الشيخ الفقيه المفسر الخطيب فخر الدين محمد بن الخضر ابن تيمية الحرّاني (ت: 622) يردِّدُ هذه الأبيات في مجالسه الوعظية كثيرًا:
طوبى لعبدٍ أحبَّ مولاهُ إذا خلا في الظلام ناجاهُ
قد كشف الحجبَ عن بواطنه فنورُ مولاه قد تغشاهُ
يقول يا غايتي ويا أملي ما خابَ عبدٌ تكونُ مولاهُ
وقد رُئيَ بعد وفاته وهو على كرسيه في جامع حرّان يرددها.
قال الرائي: فطربتُ لسماع صوته في المنام.
***
- وكان العلامة القاضي السفير المشير الفقيه الشافعي بهاء الدين ابن شداد: يوسف بن رافع الأسدي (ت: 632) كثيرًا ما يُنشِد في مجالسه:
إنَّ السلامة مِن ليلى وجارتها أن لا تمر على حالٍ بناديها
وكان يتمثلُ أيضًا كثيرًا بقول صر در الشاعر:
وعهودُهم بالرمل قد نُقِضتْ وكذاك ما يُبنى على الرملِ
فأنشده في بعض الأيام، فقال له بعضُ الحاضرين: يا مولانا قد استعمل ابنُ المُعلِّم العراقي هذا المعنى استعمالًا مليحًا، فقال: ابنُ المعلِّم هو أبو الغنائم؟
فقال: نعم.
فقال: صاحبنا كان، كيف قال؟
فأنشده:
نقضوا العهودَ، وحقَّ ما يُبنى على رملِ اللوى بيدِ الهوى أنْ يُنْقضا
فقال: ما أقصرَ، ولقد تلَّطف في قوله: "بيد الهوى".
فقال له: يا مولانا وقد استعمله في قصيدةٍ أخرى.
فقال: هات.
فأنشده:
ولم يُبْن على الرملِ فكيف انتقض العهدُ؟
فاستحسنه.
وكان كثيرًا ما يُنْشد أبيات أبي الفوارس سعد بن محمد المعروف بحيص بيص التي أولها:
لا تضعْ مِن عظيم قدرٍ وإنْ كنـ ـتَ مُشارًا إليه بالتعظيمِ
فالشريفُ الكريمُ ينقص قدرًا بالتجرّي على الشريفِ الكريمِ
***
- وكان الإمام الشيخ تقي الدين أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية الحرّاني الدمشقي (ت:728) كثيرًا ما يُنشِد:
تموت النفوسُ بأوصابها ولم يدر عوّادُها ما بِها
وما أنصفتْ مهجةٌ تشتكي أذاها إلى غير أحبابِها
والبيتان للشاعر البغدادي البليغ الرقيق صر در (ت: 465).
***
-كان القاضي الشيخ عبدالكافي بن علي السبكي (ت:735) كثيرًا ما ينشد:
يا أيها المغرورُ باللهِ فرَّ من الله إلى اللهِ
ولذْ به واسأله مِن فضله لقد نجا مَن لاذ باللهِ
وقم له والليلُ في جنحه فحبذا مَنْ قام للهِ
واتلُ مِن الوحي ولو آية تُكس بها نورًا من اللهِ
وعفّر الوجهَ له ساجدًا فعزَّ وجهٌ ذلَّ للهِ
وهذه الأبيات باختلافٍ يسيرٍ في بعض الكلمات للشاعر الزاهد الثائر أبي إسحاق إبراهيم بن مسعود الإلبيري الأندلسي، معاصر لابن حزم، وقصيدته طويلة، كل خاتمة أبياتها لفظ: الله، وهي في "ديوانه" الذي أخرجه الأستاذ محمد رضوان الداية.
***
-كان الشيخ الزاهد العابد الورع الصالح السيد محمد بن عبدالله الراوي مفتي مدينة عانه (غرب العراق)، (ت: 1289) كثيرًا ما يتمثل بقول الإمام الشافعي:
ماءٌ وخبزٌ وظلُّ هذا النعيمُ الأجلُّ
جحدتُ نعمةَ ربي إنْ قلتُ إني مُقلُّ
انظر: بلوغ الأرب في ترجمة السيد الشيخ رجب وذريته أهل الحسب للشيخ إبراهيم الراوي ص (115). وليُنظر في نسبة هذين البيتين إلى الإمام الشافعي.
***


شعر الحكمة. التمثل بالشعر. المواعظ


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


بارك فيك شيخنا الفاضل ابيات تنهض الهمم وتربي النفوس واختيارات لعلماء اجلاء تلامس الوجدان، لا حرمنا منكم وزادكم الله من فضله.


حقاً إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا