ينطلق كتاب الشخصية الليبية من "دراسة علمية انثروبولوجية استمرت على امتداد أكثر من عقدين من الزمن كما صرح به الباحث في إحدى محاضراته لتقديم كتابه"( ) وهي محاولة جادة لاستخدام الحقل الامبيريقي في رصد أبرز خصائص هذه الشخصية، وفهم ما يحدث في المجتمع الليبي في الوقت الراهن من توترات سياسية واجتماعية بعد سقوط النظام السياسي في 2011م، وإمكانية إيجاد الحلول الممكنة من خلال فهم الشخصية الليبية ذات العمق "القبلي والبدوي"، فالمجتمع الليبي كما يصفه الكاتب مجتمع قبليُّ بالأساس تسيطر فيه القبيلة على مفاصل الحياة في مستوياتها المعيشية والعلاقات والروابط الاجتماعية.
إن هذا الكتاب في دراسته يجتهد لتفسير الحالة السياسية والاجتماعية التى يعيشها المجتمع الليبي اليوم والصراعات التى يشهدها. وكما يشخص ويصف الباحث الحالة الليبية اليوم "بأنها خارطة شاسعة من الصراعات ومن التوترات القبلية بين المناطق وبين الجهات وبين المكونات القبلية، وهذا يقوم على مبدأ عنصر الغلبة والسعي إلى الغنيمة والثأر من الخصوم".( ) إن هذه الأزمة كما يصفها الكاتب في كتابه التي عاشها المجتمع الليبي، بكل جوارحه، في الفترة الفاصلة بين فبراير وأكتوبر 2011 أفضت عمليا على الرغم من تباين القراءات إلى تفكيك توازن المجتمع الليبي وإلى تدمير البنى الاجتماعية والقبلية، واستحضار تاريخ مسكون بالتوترات والخلافات القبلية والجهوية وإلى إعادة إحياء جغرافيا الصراعات بين الفئات والجهات. وأعادت إنتاج ذاكرة دامية وتاريخ مأزوم وتوظيفهما في إدارة الصراع، في حين كان الاعتقاد لعقود سابقة، أن هذا التاريخ المتوتر انصهر تماماً في النسيج الذهني والثقافي والاجتماعي والقبلي للمجتمع الليبي الأمر الذي يفسر - ولو جزئيا - مستويات العنف السائدة حالياً. "فالذاكرة الدامية" أعاقت إلى حد كبير التحول السياسي والديمقراطي.
محمد عبدالمحسن عبدالله محسن | Mohamed A A Mohsen | 9355