الأخلاقيات المهنية للمعلم وطرائق التدريس


حقيقة النفس في القرآن الكريم

أ.د. ابكر عبدالبنات آدم إبراهيم | Prof. Dr. Abaker Abdelbanat Adam


22/11/2021 القراءات: 3960  


القرآن الكريم يُحدِّث عن النفس، على أنها كائنٌ له وجود ذاتي مستقلٌّ، أي بمعنى آخر فإنه يخاطب الإنسان في ذاته، على اعتبار أن النفس هي:
* القوة العاقلة المدركة لحقائق الأشياء، لقوله تعالي: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾(الشمس: 7، 8)، وقال جل شأنه: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾(الفجر: 27 – 30). وقال تعالى: ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ﴾(يوسف: 53)، ويقول: ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾(يوسف: 18)، ويقول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾(الطلاق: 1)، وقال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾(التحريم: 6) فالنَّفْس في القرآن الكريم تأتي بمعان عديدة منها:
* الإنسان العاقل المكلف، الذي يُتوقَّع منه الخير أو الشر، والهدى أو الضلال، والكامل بجميع مشخصاته جسداً ورُوحاً.
* الكائن الذي يُمثل أمام الله سبحانه وتعالى، بل أمام المجتمع أيضاً؛ فالقتل الذي يصيب الإنسان هو قتل للنفس؛ لقوله تعالى:﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾(النساء: 29)، ويقول جل شأنه: ﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (المائدة: 32)، وفي مقام القصاص، قال تعالى: ﴿ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾( المائدة: 45).
* التنويه بالجزاء، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي َادْخُلِي جَنَّتِي﴾(الفجر: 27 – 30)، والنفس في القرآن هي الإنسان المسؤول المحاسَب، قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾(آل عمران: 30).
فالنفس هي الذات الإنسانية أو الإنسان المعنوي، إن صح هذا التعبير، إنها تخلَّق من التقاء الروح بالجسد، بل إنها التركيبة التي تخلق في الإنسان ذاتيةً يعرِفُ بها أنه ذلك الإنسان بأحاسيسه ووِجدانه ومُدرَكاته.
فوائد حفظ القرآن الكريم على الصحة النفسية
إن كل من يحفظ شيئاً من كتاب الله عزّ وجلّ ويداوم على الاستماع إلى اليه يشعر بتغيير كبير في مزاجه؛ وفي نظرته للحياة بأكملها. لذلك فإن حفظ القرآن يؤثر على الصحة النفسية، حيث ثبُت من خلال التجربة والمشاهدة، أنه يرفع النظام المناعي لدى الإنسان، ويساعده على الوقاية من الأمراض من خلال الآتي:
1- صفاء الذهن. قال تعالى: (بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ)[العنكبوت: 49].
2- قوة الذاكرة.
3- الطمأنينة والاستقرار النفسي.
4- الفرح والسعادة الغامرة بالاتصال بالله تعالى دون واسطة.
5- التخلص من الخوف والحزن والقلق...
6- تعليم اللغة العربية والمنطق والتمكن من الخطابة بصورة صحيحة.
7- القدرة على بناء علاقات اجتماعية من خلال التأمل في قصص الأنبياء والرسل عليهم السلام، هذا بالإضافة إلى أحوال الأمم العابرة والغابرة والحالية.
8- التخلص من الأمراض النفسية المزمنة التي يعاني منها الإنسان.
9- تطوير المعارف الإدراكية، والقدرة على الاستيعاب والفهم الصحيح للدين.
10- الإحساس بقوة الدين في الحوار والمجادلة بالحكمة والموعظة الحسنة.
11- إيثار الهدوء ومعاني الثبات في النفس.
لذلك فإن أسعد اللحظات عندما يعيش الفرد مع آية من كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين أيديه ومن خلفه، وفيه يتدبر دلالاتها ومعانيها، وقمة السعادة عندما يرى حقائق جديدة في القرآن الكريم للمرة الأولى .... وما أجمل حال المؤمن عندما يعيش كل لحظة من حياته مع القرآن الكريم ... وما أجمل أن يلقى الله يوم القيامة؛ وهو حافظ لكلامه... فهذا هو أحد الصالحين على فراش الموت، ينادي إبنه ويقول يا بنيّ أعطني المصحف لأنني نسيتُ آية من القرآن؛ وأحب أن أتذكرها... فقال الولد: يا أبتِ: وما تنفعك الذاكرة الآن... فقال الرجل الصالح: إنني لأن ألقى الله وأنا حافظ لهذه الآية أحبُّ إلي من أن ألقاه وأنا جاهل بها!! فكل حرف يُقرأ في الدنيا تنال به صاحبه عشر حسنات في الآخرة، وسوف يرفع الله به الدرجات يوم القيامة. ولقد أكدت دراسة جديدة (الصنيع، بدون تاريخ:54) بأنه كلما ارتفع مقدار حفظ القرآن الكريم ارتفع مستوى الصحة النفسية. وهناك أكثر من 70 دراسة أجنبية وإسلامية جميعها تؤكد على أهمية الدين في رفع المستوى النفسي للإنسان واستقراره وضمان الطمأنينة له. كما أكدت الأثر الإيجابي لحفظ القرآن الكريم على التحصيل الدراسي لطلاب الجامعة. وتبين بعض الدراسات بصورة واضحة العلاقة بين التدين بمظاهره المختلفة، ومن أهمها حفظ القرآن الكريم، وآثاره في الصحة النفسية للأفراد وعلى شخصياتهم، وتمتعهم بمستوى عال من الصحة النفسية، وبُعدهم عن مظاهر الاختلال النفسي قياساً مع الأفراد الذين لا يلتزمون بتعاليم الدين أو لا يحفظون شيئاً من آيات القرآن الكريم أو يكون حفظهم لعدد يسير من الآيات والسور القصيرة.
لذلك إن ما يطالع الفروق بين المتمتعين بالصحة النفسية يجد أن الذين يتلون الكريم القرآن أناء الليل وأطراف النهار هم أعلى درجة من غيرهم في سلم مظاهر الصحة النفسية، وينعكس ذلك على سلوكهم وقيمهم؛ وتعاملهم مع الآخرين، بل يشكلون أطباء في أنفسهم.
فإذا أمعنا النظر في كثير من الآيات القرآنية نستطيع أن نرى أنها تعلن أن المؤمنين الحقيقيين قد وصلوا إل


القرآن الكريم- النفس- الإنسان- الطمأنينة- الهدوء


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع