مدونة د. محمد سلامة الغنيمي


الصحة والفراغ: النعم المهدورة بين إهمال الإنسان وحكمة الاستثمار

د. محمد سلامة غنيم | Dr. Mohammed Salama Ghonaim


13/03/2025 القراءات: 21  



إنّ نعمتي الصحة والفراغ لهما من الجلالة ما يجعلهما جوهرتَي الوجود الإنساني، تُتْحَفُ بهما النفوسُ وتُختَبَرُ بهما العزائمُ، لكنّ قليلاً من الخَلقِ مَن يُدرك قدرهما أو يُحسن توظيفهما. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مُنَبِّهاً إلى هذه الحقيقة: (نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحةُ والفراغ)، فكم من سليم الجسد مُعَطَّل الهمة، وكم من موسعٍ عليه في الزمن وهو في عداد الموتى!

إنّ الزمنَ بحرٌ زاخرٌ بالخيرات، لكنّ صيادي اللآلئ فيه قِلّةٌ تُحسِنُ الغوصَ في أعماقه، بينما الأكثرون يُبدِّدون أيامهم كأوراق الخريف تُذروها الرياح. وقد وقف حكيمٌ ذات يوم على مَقهى يموج بالعاطلين فقال بأسىً: "لو يبيعونني لحظات عمرهم التي يقتلونها بلا ثمن!"، فالعظيمُ لا يرى في الفراغ راحةً، بل فرصةً للعطاء، مصداقاً لقوله تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ)، فإذا انتهيتَ من عبادةٍ فاجتهد في أخرى، وإذا فرغتَ من مشروعٍ فابدأْ في غيره، فحياةُ العظماء سِلسلةٌ مُتّصلةٌ من البذلِ والإنجاز.

إنّ الفراغَ ليس فراغاً في حقيقة الأمر، بل هو ميدانٌ خصبٌ تُزرع فيه الفضائلُ أو الرذائلُ، فإمّا أن تملأه بالخيرِ فَيُثمِرَ عزّاً، أو تتركه للشرّ فيُثمرَ ذُلّاً. وهو سلاحُ الشيطانِ الأقوى؛ إذ يُحوِّلُ الإنسانَ من فاعلٍ إلى مُتَلَقٍّ، ومن بَانٍ إلى هَدّام. فاحذر أن تكونَ ممن يخسرُ رأس المالِ الحقيقي: عمرُه وصحتُه، ثم يندمُ حين لا ينفع الندم.

فليكن شعارُ المُؤمن: "اغتنم صحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، فاليوم عملٌ بلا حساب، وغداً حسابٌ بلا عمل".


تربية، فكر، نهضة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع