مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


كيف تبنى الأوطان؟ -سابعاً: الاتحاد والترابط -

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


17/02/2025 القراءات: 9  


كيف تبنى الأوطان؟ - الاتحاد والترابط -
من أسس ومقومات بناء الأوطان أيضاً الاتحاد والترابط بين أفراد المجتمع: ففي الاتحاد قوة وفي التفرقة ضعف، وما الاتحاد الأوربي عنا ببعيد، إذ لا يُبنى البيت من حجر واحد، بل يُبنى بروح الفريق الواحد المتعاون، كما أنّ لا نحلة واحدة تجلب العسل وحدها، وكما تستند الشجرة على الشجرة، فإنّ الإنسان يستند على أخيه الإنسان، وهذه روح التعاون، فيد الله مع الجماعة، والتعاون قوة تحل كل المشكلات، وقد شرح هذا المعنى أحد الحكماء لأولاده؛ ليُلقنهم درسًا في الاتحاد، فقدم إليهم حُزمة من العصي قد اجتمعت عيدانها، فعجزوا عن كسْرها، فلما فُكَّ الرباط، وتفرَّقت الأعواد، تكسَّرت واحدًا واحدًا، وصور ذلك الشاعر العربي، فقال:
كونوا جميعًا يا بني إذا اعترى خطب ولا تتفرَّقوا آحادا
تأبى الرماح إذا اجتمعْنَ تكسُّرًا وإذا افترقْنَ تكسَّرت آحادا
إن الوحدة لا تقوم على الجنس أو العنصر أو القبيلة؛ كما قال الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: (كلكم لآدمَ، وآدمُ من تراب)، ولا نجد نداءً في القرآن خاصًا بالعرب، إنما النداء؛ إما بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: 21]، فيعم الإنسانية كلها، وإما بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104]، فيعم المؤمنين ويخصهم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ، مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى) [متفق عليه].
وقد كوَّن النبي صلى الله عليه وسلم الوحدة، فحفظ الأمة وحماها من كل أمر يُهدِّدها، والأمور التي تهدِّد الوحدة ثلاثة:
أولها: العصبية: وقد نهى عنها الرسول فقال عليه الصلاة والسلام: (ليسَ منَّا مَنْ دعا إلى عصبِيَّةٍ) [رواه أبو داود]، والنهي عن العصبية لا يتضمَّن النهي عن حب الأوطان؛ بل العصبية أن يُعين قومه على الظلم.
وثانيها: الاقتتال: فقد منَع الرسول القتال بين المسلمين تحت أي لواء، فقال عليه الصلاة والسلام: (سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) [متفق عليه]، ولذلك نهى الباري سبحانه عن التفرق والاختلاف فيقول: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105].
ثالثها: عدم المشاورة: فما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُقدِم على أمر إلا بعد المشورة؛ استجابة لقول الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159]، {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38].
ثم إن الشعور بالمسئولية تجاه أبناء الوطن والحرص على حمايتهم من أي عدوان، درس نتعلمه من ذلك الكائن الذي سميت السورة باسمه (النمل) فبينما نبي الله سليمان عليه السلام في مسيرة مع جيشه وجنوده رأته نملة من بعيد، فلم تنتظر حتى يقع الخطر؛ وإنما بادرت بتحذير قومها حتى يتأهبوا وأبدت رأيها لتفادي الخطر {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: 18].
ودرس آخر ألا وهو إحسان الظن {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} فكم من علاقات انتهت بسبب سوء الظن، كم من أرحام قطعت!
فكل فرد في المجتمع على ثغرة من ثغـور الإسلام فلا يؤتيَن من قِبله، وها هو سيدنا أبو بكر يُبيِّن دور الفرد تجاه مجتمعه حيث يفسر رضي الله عنه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، وإنكم تضعونها على غير موضعها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ النَّاسَ إذا رأَوُا الظَّالمَ فلم يأخُذوا على يدَيْه أوشك أن يعُمَّهم اللهُ بعقابٍ) [رواه أبو داود].
كما من مظاهر الاتحاد والتعاون الإيجابي في المجتمع؛ مساعدة كبار السن، وصلة الأرحام والاطمئنان على الأقارب، والتعاون بين رجال الأمن لحماية البلاد، وغيرها من المظاهر، إضافةً إلى أنّ التعاون هو أساس التراحم بين البشر، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2].
وأخيراً: قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضاً) [متفق عليه].
فالاتحاد قوة، والقوة تؤدي إلى النصر، والتفرق ضَعف، والضعف يحقِّق الهزيمة، والتاريخ خير شاهد على ذلك.


تبنى الأوطان، الاتحاد والترابط ، التعاون، الجسد الواحد، حماية البلاد


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع