مدونة سعد الدين العثماني


تمتع بالصحة النفسية الإيجابية (6)

سعد الدين العثماني | EL OTMANI SAAD DINE


27/12/2024 القراءات: 15  


6 - القواعد الجوهرية للصحة النفسية (1)
إن تتعدد تعاريف الصحة النفسية ليس في حد ذاته من الأمور السلبية، بل إنها تمكن من أن تتكامل الصورة وتلامس الموضوع من مختلف زواياه وجوانبه. ومنها نستخلص أهم القواعد الجوهرية التي من الضروري الوعي بها في هذا المجال، وهي:
أ - لا صحة عضوية بدون صحة نفسية فالصحة النفسية جزء لا يتجزأ من الصحة الشاملة، ولا تنفصل عن الصحة الجسدية، بل هما في اندماج واتحاد كامل، يؤثر كل منهما بالآخر ويتأثر به. وقد أدرك الإنسان منذ القدم الارتباط القوي القائم بین الجسد والنفس، وحاول باستمرار فك جوانب التعقيد فيها: فلسفيا ونظريا، وصحيا وعلى مستوى الممارسة اليومية. فصحة الإنسان النفسية تتأثر إذا مرض الجسد بأي مرض عضوي، وكذلك يتأثر الجسد إذا تعرض الإنسان لأي مشاكل أو أي أمراض نفسية. الاثنان متلازمان. ومن المهم استيعاب ضرورة تصالح النفس مع الجسد حتى يعرف الإنسان معنى السعادة ويعيش الصحة بمعناها الحقيقي. ويُعاني الكثير من الأشخاص خلال حياتهم اليومية من التوتر العالي والضغوط النفسية، التي غالبًا ما تتعلق بالعمل أو العلاقات العاطفية أو الأحداث والمشاكل الروتينية التي يُمكن أن تُصيب أي شخصٍ وتؤثر على مشاعره وقدرته على إنجاز مهامه اليومية. ومن هنا فإنّ تعزيز الصحة النفسية والعناية بها لا تقل أهميةً عن العناية بالصحة الجسدية، بل تُعتبر كل واحدةٍ منهما مكملةً للأخرى من أجل العيش بجسمٍ وعقلٍ سليمين.
ب - الصحة النفسية لا تعني مجرد الخلو من المرض النفسي لطالما تم تعريف الصحة النفسية على أنها غياب الأمراض النفسية، مثل الفصام والاكتئاب والقلق. ولا شك أن المرض النفسي له تأثيرات مهمة وصعبة على أداء الفرد: الشخصي والأسري والاجتماعي، إلا أنه لا يمثل سوى جزء مما يؤثر في حياته النفسية. وهكذا فإن انتفاء الاضطراب النفسي أو العقلي، لا يكفي للتمتع بصحة نفسية جيدة. إن الاضطرابات النفسية هي حالات يمكن تشخيصها من قبل المتخصصين، وتؤدي إلى نقص واضح في القدرات الذهنية أو الوجدانية أو العلائقية أو الحركية للفرد. لكن كما يمكننا أن نقول عن إنسان ما إنه لا يتمتع باللياقة البدنية المطلوبة على الرغم من عدم إصابته بأي مرض عضوي، فكذلك اللياقة النفسية (أو العافية النفسية) تحتاج إلى سمات ومواصفات، على قدر تحققها تكون الصحة النفسية أفضل وأليق. فالشخص غير الناجح في علاقاته مع الآخرين، والذي تتسم حياته بالاضطراب وسوء التكيف، لا يمكن أن يوصف بأنه يتمتع بصحة نفسية سليمة، وذلك على الرغم من خلوه من أعراض المرض النفسي. ومن هنا فإن الصحة النفسية تشمل جوانب إيجابية مثل التفاؤل والثقة بالنفس والمرونة والشعور بمتعة الحياة والقدرة على ربط العلاقات، ولكن يمكن أن تشمل أيضًا جوانب سلبية مثل الأفكار المتشائمة والسلبية والانعزالية والتوتر وغيرها. إنها بحث مستمر عن التوازن بين الضغوط والتحديات التي تثقل كاهل الفرد من جهة والإمكانات المتاحة له سواء كانت داخلية أو خارجية من جهة أخرى.
ج - الصحة النفسية حالة نسبية ومتطورة وليست ساكنة ولا كاملة فالصحة النفسية تعرف باستمرار حركية وتفاعلا وتطورا، تتحسن تارة وتتدهور تارة أخرى. وهي نتاج جهد متواصل وبحث مستمر عن استقلالية الشخصية وعن سعادتها، وليس فيها كمال أو خط نهاية، ولا تصدق عليها مقولة: (كل شيء أو لا شيء). وفي هذا لا تختلف الصحة النفسية عن الصحة الجسدية. فالتوافق المطلق بين مختلف وظائف الجسم غير متصور، فكذلك هنا لا وجود لتوافق مطلق بين الوظائف والحاجات النفسية. والسبب في ذلك هو أن حالة الصحة النفسية هي محصلة لعدد من العوامل المتداخلة والمعقدة، والتي تتغير باستمرار على مدى الحياة. وهي ترتبط بالتجارب المختلفة، وبالقيم الجماعية والتفاعلات المجتمعية، كما ترتبط بالقيم الفردية الخاصة بكل شخص. ومن هنا فإن هذه النسبية أنواع: - نسبية من فرد لآخر، - نسبية لدى الفرد الواحد من وقت لآخر، - نسبية تبعا لمراحل النمو، فما هو سلوك سوي في مرحلة الطفولة قد يكون غير سوي في مرحلة الشباب أو الكهولة، - نسبية تبعا لاختلاف الظروف والزمان والمكان. فالثقافة السائدة مثلا عندها دور وتأثير فيما هو سوي وما ليس سويا. وهكذا عندما تكون لدى الفرد صحة نفسية جيدة، يمكنه ـ على العموم ـ أن يؤدي عمله بانتظام، وأن يتكيف مع الظروف الخارجية، ويربط علاقات اجتماعية مرضية. أما عندما يختل ذلك التوازن، فإن كل شيء يصبح صعبا، ويصبح حملا ثقيلا على النفس وعلى الناس.


الصحة النفسية - الصحة النفسية الإيجابية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع