نظريتان بلاغيتان نقديتان يفتخر النقد العربي بتأسيسهما، وتقف البلاغة القرآنية المعجزة وراء فضل البحث ثم الاكتشاف والتأسيس لهما: النظرية الأولى هي نظرية النظم لعبد القاهر الجرجاني، والنظرية الثانية فهي نظرية التصوير الفني لسيد قطب. كلتا النظريتين تدخل مبحث الإعجاز من باب البلاغة والجمال والفن، وليس من باب الغيب والتشريع والعلم. وكلتاهما تدخل في باب التنظير للبلاغة القرآنية المعجزة، ولكنها تتسع لأن تكون نظرية في البلاغة الأدبية بإطلاق. وكلتاهما تسير في خط واحد هو خط التوجيه إلى المسلك الناجع في التعامل مع الخطاب القرآني وتفسير إعجازه، وفي التعامل مع أي خطاب أدبي مع مراعاة خصوصية النوع: مسلك التذوق الجمالي الذي ينقل نبض العبارة ونبض الصورة ونبض الإيقاع، ليتجسد الكل فكرة تتحرك، وعاطفة تهتز، ومشهدا يُتصور. يروم هذا البحث أن يسلط الضوء على معالم هذا الخط الذي تُوِّج عند عبد القاهر بنظرية النظم وعند سيد قطب بنظرية التصوير، وأن تمتحن مدى سلامة المبادئ النظرية للنظريتين ووجاهة النتائج المُتوصل إليها من قِبل الناقدين، وأن تستنبط دلالات الاختلاف بين تعليلي الناقدين لسر الإعجاز القرآني.