بين أدري وأريد محطات// الجزء الثاني
د. فاضل يونس حسين | doctor fadhil youns
11/06/2021 القراءات: 4203
تتمة ما ابتدئ به في المقال السابق: الإنسان اليوم يدري ولكنه غدا سوف لا يعلم شيئا من هول عذاب القبر ومن هول الحساب والعذاب، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم الأمن وهم مهتدون. نعم المسلم يدري ويعلم ولكنه لا يعلم الغيب المطلق، وعجبي من شاعر لبنان المهاجر إيليا أبو ماضي وهو يترنم بقصيدته لست أدري، كيف يريد أن يدري وهو يسد أذنيه عن نداء الحق وصوت الحقيقة، لذلك جعل يدور ويطوف ويسأل عله يدري حتى سأل البحر ولكنه وجد البحر مثله لا يدري. هذا عن أدري وماذا عن أريد؟!!! هنا تسكب العبرات، فإن الواحد منا لو تبع نفسه قادته إلى المهالك، فهي تشتهي كل ما ترى، ولا تجعل القناعة في قاموسها، نحن نريد ما أباحه الله تعالى لنا، ولا نريد ما لم يبحه أو حرمه لحكمة قد تغيب عنا وقد تنكشف، وبالاستقراء وجد أن ساحة المحرم ضيقة جدا جدا، في حين أن ساحات الحلال والمباح يكاد لا يصغر، هذا شيء وشيء آخر، إن ما حرمه صار ممنوعا لكن بعد وجود البديل، فالشارع الحكيم حرم الخمر ولكنه أحل وأباح الزبيب؛ وحرم الزنا لكنه حلل الزواج، وحرم لحم الخنزير لكنه جعلك تختار من لحوم الضأن والبقر والإبل والطير والسمك ... ما لم يخطر على بالك، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فقد أعطى لك ما تشتهي، ﵟ وَأَمۡدَدۡنَٰهُم بِفَٰكِهَةٖ وَلَحۡمٖ مِّمَّا يَشۡتَهُونَ ٢٢ﵞ [الطور: 25]. ﵟوَفَٰكِهَةٖ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ ٢٠ وَلَحۡمِ طَيۡرٖ مِّمَّا يَشۡتَهُونَ ٢١ وَحُورٌ عِينٞ ٢٢ كَأَمۡثَٰلِ ٱللُّؤۡلُوِٕ ٱلۡمَكۡنُونِ ٢٣ﵞ [الواقعة: 20- 23]. ﵟإِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي ظِلَٰلٖ وَعُيُونٖ ٤١ وَفَوَٰكِهَ مِمَّا يَشۡتَهُونَ ٤٢ كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيٓـَٔۢا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ٤٣ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٤٤ﵞ [المرسلات: 41- 44]. ولا يدري أحد ما أعد الله للمؤمنين من النعيم، ﵟفَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١٧ﵞ [السجدة: 17]. يفسر هذا ما جاء عن رسول الله ﷺ، فعن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: «من يدخل الجنة ينعم لا يبؤس، ولا يبلى ثيابه ولا يفنى شبابه، في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر». (أخرجه البخاري في صحيحه: 6/ 115// رقم 4779، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين}.) هنا ينتهي من القلم المداد، فيجف ويتوقف، لأن المحطة الأخيرة انتهت فالمحطات متعددة كثيرة متنوعة، وهي مراحل نمو الإنسان جسديا وعقليا وروحيا ووجدانيا، فكل مرحلة هي محطة، وكلها محطات صغيرة جدا جدا، ووقتية ومرحلية لكنها كلها تسير وتسري إلى محطة التوقف النهائي لتنهي هذه الحياة الصاخبة التي يعيشها البشر، وتبدأ حياة جديدة سرمدية لا منتهى لها، ولا حدود، فيقف كل امرئ في الحساب وهو حسيب نفسه، ﵟوَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا ١٣ ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفۡسِكَ ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكَ حَسِيبٗا ١٤ﵞ [الإسراء: 13- 14]. والنتيجة حاسمة قطعية جازمة نتيجتها فريق في الجنة وفريق في السعير؛ فالذين علموا (دروا) عملوا بما أوتوا من علم، وأرادوا ما جاز لهم وحل وأبيح، وأما الذين جهلوا (ما دروا) فقد أرادوا وأرادوا ثم أرادوا، ولم يشبعوا كأنهم أصيبوا بما يصاب به البعير فيشرب ولا يرتوي ويأكل ولا يشبع، فحالهم في الدنيا كحال البعير وهم سعداء إن يظلوا ويبقوا على تلك الحالة، لكن يأتيهم يوم، ﵟيَوۡمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ صَفّٗاۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَقَالَ صَوَابٗا ٣٨ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ مَـَٔابًا ٣٩ إِنَّآ أَنذَرۡنَٰكُمۡ عَذَابٗا قَرِيبٗا يَوۡمَ يَنظُرُ ٱلۡمَرۡءُ مَا قَدَّمَتۡ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلۡكَافِرُ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ تُرَٰبَۢا ٤٠ ﵞ [النبأ: 38- 40]. ولا يكون ما يريد، والبعير وسائر الحيوانات تموت فتصير ترابا يتّمناه من أراد ولم يدر، ونجا من ذلك من درى ولم يرد إلا النعيم الخالد.
أدري- أعلم- أريد- درى- محطات- الانسان- العلم
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
احسنت فعلا الموضوع شيق وممتاز
احسنت
احسنت
ممتاز يسر القلب
استمروا في ابداعكم وانيروا لنا دروب الحياة، فلعنا نكتسب من خبراتكم ومما افاض الله عليكم من نعمة الكتابة
يحتاج الموضوع الى تامل وتركيز وهو لا شك موضوع جميل