التشارك المعرفي مسؤولية مجتمعية
أ.د حنان الصادق بيزان | hanan al sadeq bezan
16/08/2021 القراءات: 4222
لاشك ان المؤسسات الاكاديمية مطالبه اليوم وأكثر من أي وقت مضى، بان تكون رائدة في مجال تنمية الموارد البشرية. فهي لا تنفصل عن المجتمع، وأن علاقتها بالمجتمع هي علاقة الجزء بالكل. وان ما يميزها عن المؤسسات التعليمية والتربوية الأخرى أنها تتربع على قمة هرم النظام التعليمي، وهذه المكانة تعكس أهميتها في لعب دور مهم في بناء المجتمع وتلبية احتياجاته المعرفية، وهو ما يشكل جوهر مسؤوليتها في خدمة المجتمع. ان وظائفها الرئيسية ترتكز على نشر المعرفة، لذا لم يعد ينظر إليها على أنها مؤسسة علمية، فحسب بل هي مؤسسة اقتصادية واجتماعية وثقافية. بالمعني الواسع يعني مسؤوليتها الاهتمام بكل ما يشغل المجتمع من تحديات وتطلعات.
ولعل أولى من يقوم بالمسؤولية المناطة بها هم أعضاء الهيئة التدريسية، لما لهم من دور كبير في التأثير على طلبتهم الذين هم بُناة المجتمع بطبيعة الحال. أعضاء هيئة التدريس لهم دورا هاما ومضامين أخلاقية واجتماعية ووطنية وإنسانية، يستدعي الامر القيام بواجباتهم على أكمل وجه في التدريس والبحث العلمي، وخدمة المجتمع المحلي وتنميته (تنمية مستدامة). فعلى سبيل المثال لا الحصر عند قيام الأستاذ الجامعي بوظيفته كباحث فلا بد من أن يكون لبحثه او دراسته دورا أساسيا في الإسهام في حل مشكلات المجتمع وتلبية احتياجات أفراده وتطلعاتهم.
اذ أصبحت المسؤولية المجتمعية تكتسب اهتماما متزايدا مما جعلها تخرج من كونها ممارسات طوعية اختيارية إلى ممارسات اجبارية، تمثل مصدرا لتحقيق بقائها وضمان استمراريتها. حيث برزت نتيجة لضرورة تحول تلك المؤسسات من الانطواء على ذاتها إلى التركيز على البيئة الخارجية وكافة المستفيدين الذين يتأثرون بأنشطتها وقراراتها وكذلك يؤثروا فيها. ويبرز في هذا المنعطف الحرج وضوح رؤية ورسالة واهداف الجامعات ومهام وواجبات أعضاء الهيئة التدريسية بها . وما ينبغي ان تقوم به من تنمية للرأسمال البشري، بمعنى النهوض بتربية الإنسان وسلوكه الاجتماعي وتنمية ضميره اتجاه وطنه وأمته.
لذا فان المشروع الحقيقي الذي يجب أن تتبناه الجامعات هو التركيز على احتياجات المجتمع. فليس من الممكن اعتبارها مؤسسات تُعني بتخريج كوادر لكسب (رخصة لمزاولة مهنة) .فقد أصبحت المسؤولية المجتمعية للجامعة مَهمة أساسية من المهام المسندة إليها في سعيها لتحقيق الترابط والتفاعل مع مجتمعها (ربط برامجها مع سوق العمل).هنا يتضح دور عضو هيئة التدريس كوسيط في نقل المعرفة وترسيخ مبادئ وقيم اخلاقيات المهن والقضاء على الجهل والتخلف بالمجتمع بصقل المهارات والقدرات المعرفية وتحقيق التنمية البشرية المستدامة .
لعل السؤال الذي تبادر للأدهان: كيف يمكن تحقيق المسؤولية المجتمعية كما ينبغي ان تكون؟ وكمطالب اوليه يفترض التخطيط للمسؤولية المجتمعية، ونشر ثقافتها، والاقتناع بها. ويكون ذلك من خلال تضمين مفاهيمها في البرامج الاكاديمية، وخلق فرص عمل حقيقية. بمعنى أكثر دقه إن موضوع المسؤولية المجتمعية أمر له حساسيته ويجب إبرازه ومأسسته وتضمينه بشكل ملموس في المناهج لكي يكون مؤثرا في أدوار مخرجاتها بطبيعة الحال.لاشك ان للتدريب دوراً هاماً في صقل مهارات مخرجاتها وتوجيه ممارساتها نحو إدارة المعرفة وتشجيع سلوك التشارك في المعرفة.
باعتبار ان المشكلات تتطور مع تطور المجتمع فعلى سبيل المثال لا الحصر ظهور الانترنت وتطور أجيال الويب ومواقع التواصل الاجتماعي قد أدى لظهور العديد من المشاكل من بين أهمها : مشكلة الغزو الثقافي والتدفق الأحادي للمعلومات والامية المعلوماتية، والفجوة الرقمية بين الافراد والمجتمعات وضعف المحتوى الرقمي العربي.. وغيرها.
ولعل كل ما تقدم أعلاه يحتم على الجامعات مسؤولية مجتمعية تتمثل في تبني استراتيجية التشارك في المعرفة والتوعية والإرشاد لكيفية توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لمحو الامية المعلوماتية وتجسير الفجوة الرقمية من طريق خلق نوع من المشاركة في انتاج المعرفة وإثراء المحتوى الرقمي العربي.
و تعد المعرفة مصدرا وأصلا مهما في المجال الأكاديمي، يشار إليها كرأس مال فكري، وتتطلب مجهودا لتأكيد امتلاكها، وتنظيمها، ونشرها، لتقاسمها او تشاركها. اذ ان التشارك المعرفي Sharing Knowledge يمثل عملية تواصل فكري، فعلى سبيل المثال أن الاجتماعات والندوات واللقاءات تشكل آلية مهمة في عملية التشارك في المعرفة وتلعب الجامعة دوراً مهماً في تبادل المعلومات ونقلها للمعرفة، ومناقشة أفكار وموضوعات ذات علاقة باستراتيجية وأهداف ورؤى برامجها .
وان التشارك المعرفي ليس بالأمر السهل فلا يخفى على المتتبع تلك الصعوبات التي تواجهه: كالصعوبة التشارك بالمعرفة الضمنية، وهي مما لا يمكن نقلها بالتعليم أو التدريب، وهذا يتطلب وقتا من أجل استيعابها، كذلك عدم ميل الأفراد إلى تقاسم في معارفهم مع الآخرين لأنها من مصادر قوتهم…الخ، لذا ينبغي ان تكون البرامج الاكاديمية بإمكانية التفاعل بين العلم وتطبيقاته وتسمح بالبحث والتقصي بنشاط وفاعلية وتحليل المعلومات التي يمكن تطبيقيها في حل المشكلات الواقعية في الحياة.
وهذا يتطلب ان يمتد التعليم خارج الصفوف الدراسية "الجامعية" الى ان يكون في المواقف الحياتية تعليما ذاتيا مستمرا. ويستوجب الامر توافر متطلبات أساسية من بين اهمها: ممارسة مؤسسات التعليم العالي دورها في نشر المعرفة ونقلها وتعميمها وإنتاجها(التشارك المعرفي). الاهتمام بالطاقات العلمية المبدعة (الابداع والابتكار) في مجال البحث والتطوير بتوفير كافة المستلزمات الضرورية للباحثين. ترسيخ دور البحث العلمي وتكوين اتجاهات اجتماعية إيجابية نحو مراكز البحوث والمؤسسات العلمية بالمجتمع.
ختاما لم يعد يخفى على الجميع دور عضو هيئة التدريس الجامعي في اعداد خرجين قادرين على أداء أدوار قيادية ويشغلون مواقع مسؤولية في مجالات علمية وتقنية ومهنية ادارية ذات مستوى عالي، من طريق رعاية الابداع والابتكار .حيث يتوقع المجتمع من الجامعات ان تقوم بتوليد المعرفة والاختراعات المطلوبة للتنمية وذلك من خلال البحوث التطوير
تشارك وتقاسم المعرفة، المسؤولية المجتمعية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة