المغالطة المنطقية بتأثير عامل الشخصنة
عبد الحميد بغوره | ABDELHAMID BEGHOURA
14/12/2022 القراءات: 1400
"فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين"
إن إصدار الأحكام على قضايا ما بتصديقها أو نفي التصديق عنها، والتمسك بمدلولها والعمل به يعتمد على مؤثرات منطقية كالاقتناع بالحجة والدليل القوي بعد تمحيصه وركون النفس إليه واطمئنانها له كونه يخاطب خلفيات معرفية موثوقة لدى متلقي الحجة بعد تفاعل تفكيري حاك في الذهن حتى يصبح الحكم في مستوى يقيني ثم يتحول إلى مسلمة بديهية، وهذا المؤثر ذو الشعاع المنطقي مطلوب إذا سلمت المقدمات من الخطأ، والقرآن الكريم يدعم هذا النوع من التسليم كونه مبني على حجة وبرهان؛ ومن البيان في هذا الشأن قوله تعالى"قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"، فقد حكمت الآية على صدق قضية ما على وجود البرهان ومن المعلوم أن كل برهان يخضع للقواعد عقلية يقبلها أي عقل سليم فهم نظام البرهان، وفي المقابل توجد استدلالات بالاعتماد على الأقوال التي تصدرها شخصيات مختلفة إما علمية أو شخصيات فلسفية أو شخصيات في مستوى مفكر أو حتى في مستوى الحكم، كمن يستدل مثلا في معرفة حكم مسألة فقهية في باب الطهارة فيقول حكم المسألة الجواز لأن مالك(إمام دار الهجرة) قال فيها في المدونة بعدم الحرمة، أو أن أحد الصحابة رضوان الله عليهم حكم فيها بكذا، أو في مسألة فلسفية في قضية التخير والتسير للإنسان فيحتج بقول أبو حامد الغزالي أو بقول كانط أو جاك روسو في مسألة علاقة الحاكم بالمحكوم وهكذا يستدل لكم قضية بحسب شخصها الذي أحسن الكلام فيها.
إن هذا النوع من الاستدلالات يبنى على الشهادة فالمتكلم في شأن قضية ما حصل منه من المتلقي ثقة فأثرت على عقله، فلما يخبر المتلقي بأن الشخصية فلان له باع وقدرة عقلية وتفكير سديد في فن ما وتزكيه هيئات وأفراد من ذوي الاختصاص فقد صنعت له شهادة بأهليته في ذلك الميدان فيحصل في أقواله قبول في الأوساط العلمية أو غير العلمية من عامة الناس، فيصبح عقل السامع الذي يتلقى الكلام يسلم بما يقوله الشخص المنتخب مباشرة بعد التأثر باسمه فكأن الأسم الذي يقول هو الدليل وهذا النوع من التأثير لا يسلم منه أحد لأن كل شخص بالنسبة لغير علمه عامي، ولا أوضح مثال على ذلك تسليم الناس لقول الطبيب والامتثال لأحكامه الطبية في شأن كل قضية مرض؛ وإذا تدخل أحدهم لمعارضة حكمه من دون الأطباء قيل له(لست أدرى من الدكتور ولست تعرف خيرا منه)، وحتى وإن كان حكمه خطأ تسليما منهم بشخصه .
وكذلك من بين تأثير قوة القول المبني على عامل الاسم والشخصنة ما ذكره القرآن في قصة فرعون مع قومه لما حاجه موسى في ربه ورعاه إلى عبادته وأراه كل آية، فاستعمل فرعون قوة الاسم والشخص في التأثير فجعل يقفل على عقول الناس منطقها فيقول أليس لي أرض مصر وأنهارها تجري من تحتي مالكم لا تبصرون، فاستخف عقولهم فقبلوا الحجة السخيفة ثأثرا منهم بالاسم وأهملهوا منطق التفكير، في ذلك يقول القرآن"فستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين".
إن الاعتماد على الشخصنة في صناعة البرهان والاستدلال وقبول الأحكام في أي مسألة لايمكن إبعاده بالكلية لأن المتكلم في إصداره للأحكام قد اعتمد على برهان و دليل معين، فليس كل الناس تقدر للرجوع إلى الدليل وتمحيصه ناهيك عن فهمه لاختلاف الفنون ودرجات الفهم، لكن لايقبل بالكلية في جميع القضايا لأنه مهما تعددت العلوم واختلفت هناك تداخل بينها ونقطة تلاقي بالإضافة إلى الحد الأدنى منها فكل علم يمكن أن يأخذ منه الأدنى من أساسيته، هذا من وجه، ومن وجه آخر الشخصيات المؤثرة بغير قوة العلم كالحكام والساسة والمشهورين والذين لا تستند أقوالهم لدليل ينبغي التعامل مع أحكامهم بروية وإخضاعها لتحليل العقل لمعرفة مدى مطابقتها لمعايير المنطق، مصدقا لقوله تعالى" الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" فلفظ القول عام يشمل سيئه وحسنه وحقه وباطله، واتباع الحسن منه لا يتأتى إلا بعد فحص وتعميق النظر.
إن التسليم المطلق لأقاويل الأشخاص واعتمادها برهنا لايخلو من المخاطرة في الوقوع في الزلل والغلط فالكل يأخذ من قوله ويرد وكل الكلام يحتمل الصدق أو الكذب والبرهان يصدق ذلك أو يكذب، فإن حآجك أحدهم بقول فلان فطالبه بالدليل الذي استند عليه ليصح النظر بعده والحكم بالتصديق أو النفي.
المغالطة، المنطق، القوة، الشخصنة، البرهان، الاستدلال، المخاطرة، القضية، صناعة، العامل
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع