مدونة عبد الله كركيش


تقرية عن أطروحة جامعية (الدكتورة)

د.عبد الله كركيش. | ABDELLAH KERKECH


07/10/2024 القراءات: 6  


وإليكم تقريراً عنها يتضمن، وصفاً عاماً، وبياناً لأهميتها، ومشكلتها، وأسبابِ اختيارها، وبعض النتائج المتوصل إليها.
فأقول وبالله التوفيق والسداد:
ولما كانت الأسئلةُ الإشكالية التي صُغتها في المقدمة، تتمحور حول أهم القضايا العالمية، قضيةِ الآخر المخالف، وحكمِ التعامل معه، ولما كان القرآن الكريم المصدر الأول للمعرفة في الإسلام، كان لابد من التركيز على أحكامه ومقاصده في التعامل مع المخالف؛ لأن الحاجة ماسة إلى تلمّس طرق الهداية، وسلوكها بوعي وتبصر؛ ليُحفظ الإنسانُ من الزيغ والضلال، ويحقق مراد الله رب العالمين، ولما كانت الأحكام الفقهية أيضاً هي الأخرى لازمة في سياق البحث، تعين انتهاج المنهجِ الاستقرائي والاستنباطي، والتحليلي، ذلك أن المنهج الاستقرائيّ يرتقي بالعمل البحثي من الخاص باتجاه العام، وجمع النصوص في المسألة الواحدة، وتحليلها ومناقشتها، ثم المنهجِ الاستنباطي الذي يُنتقل به من العام الى الخاص ومن الكل الى الجزء، بحيث ينطلق الباحث من القاعدة الكلية، أو من النصوص العامة، ليستنبط منها الأحكام الجزئية لمسائل تفصيلية.
ولتحقيق ذلك كله، وبعد المشاورة مع الدكتور المشرف، تمت الموافقة على أن تكون بنيةُ الأطروحة متكاملة، ومكونة من ثلاثة أبواب، وكل باب من ثلاثة فصول، وكل فصل من ثلاثة مباحث، وكل مبحث من ثلاثة مطالب.
تركزت الأطروحة المعنونة أعلاه على ثلاثة محاور أساسية، المحورِ المفاهيمي، والمحورِ التأصيلي، والمحورِ التطبيقي، وقد أسميت هذه المحاور بالأبواب.
فتناولت في الباب الأول عدة مفاهيم أذكر منها على سبيل المثال:
مفهوم المقاصد لغة واصطلاحاً، ومفهوم مقاصد القرآن الكريم، والعلاقة بين مقاصد الشريعة، ومقاصد القرآن الكريم، ثم مفهوم التعامل لغة واصطلاحاً، ومفهوم المخالف، ثم مفهوم التعامل مع المخالف كمفهوم مركب، ثم مفهوم الاختلاف والخلاف والفرق بينهما.
وفي هذا السياق قمت بدراسة شبه مصطلحية لظاهرة الاختلاف، حيث ركزت الدراسة على مفهوم الاختلاف في اللغة، ومدى وجوده في القرآن الكريم من حيث الكم والمعنى، ثم علاقة مصطلح "الاختلاف" بما يقابله من الألفاظ، من جهة الاتفاق والاختلاف، ومن جهة الضمائم، مع التأصيل والتمثيل، كما تناولت الأطروحة أيضاً، بالتفصيل والتأصيل والتمثيل، مفهوم المخالفين من حيث وجودهم، ومن حيث رتبهم، وذلك بحسب طبيعة الاختلاف معهم، فتناولت المخالف الديني، والمخالف الفكري والسلوكي، والمخالف السياسي والاجتماعي.
أما الباب الثاني فقد أصلت الأطروحة لكل المصطلحات الواردة فيه، ولكل حكم، ولكل مقصد بقدر الإمكان من الأدلة الممكنة، مع اجتهاد في شرحها وتحليلها وربطها بسياقها، وبيان وجه الاستشهاد بها، كما أصلت الدراسة كذلك للتعامل مع المخالفين بصفة عامة، من القرآن والسنة، وأعمال السلف الصالح، مع استئناسها بشهادات غير المسلمين على حسن تعامل المسلمين من الجيل الأول من الخلفاء الراشدين وغيرهم مع المخالفين غير المسلمين.
أما الباب الثالث، فقد خصصت الحديث فيه عن المحور التطبيقي، بحيث اعتمدت على نماذج تطبيقية في كل مجال من المجالات التي تم التطرق إليها في الباب، وتم التركيز على المخالف غير المسلم، مع بيان المراد بمصطلح" غير المسلم"، ثم تصنيف غير المسلمين على النحو التالي: أهلِ كتاب، الصابئة، والمجوس، والمشركين، والمنافقين، وما كان من هذه الأصناف من المعاهَدين، وأهل الذمة، مع التعريف بكل صنف، ثم بينت الأحكام المتعلقة بكل صنف في مختلف الأحوال، مع التركيز على حالات معينة، كحالتي القوة والضُّعف، وحالتي السلم والحرب، ثم أبرزت مقاصد القرآن من الأحكام المتعلقة بالتعامل مع المخالفين غير المسلمين مع الاستشهاد عليها بما أمكن من الأدلة.
أما من حيث التوازن الكمي بين الفصول والمباحث والمطالب، فقد كان الأمر من الصعوبة بمكان؛ لأن طبيعة الموضوعات التي تناولتْها مختلف العناوين، اقتضت أن يتفاوت حجم المباحث والمطالب، غير أني وجدت غايتي في حديث حبيبي وسيدي رسول الله ﷺ القائل:((سددوا وقاربوا))( )، وبناء عليه فقد حاولت المقاربة بين ذلك قدر المستطاع، أما بخصوص بنية الأطروحة، فكان فيها ذلك السداد المنشود.
إن ارتباط موضوعِ الأطروحة بالقرآن ومقاصدِه، يجعله موضوعاً ذا أهمية، وفيه من الدقة والخطورة؛ لأنه يعالج نصوصاً، وأحكاماً، يفترض أن تكون غير مرهونةٍ بالزمان والمكان، بل ممتدةً فيهما عبر التاريخ، والأزمان، وتتجدد بتجدد أحوال الناس في كل آن، وهو ما يحقق في الواقع خصائص هذا الدين، من العالمية، التي تسع الزمان والمكان والإنسان، فتسع الزمان في امتداده، والمكان على سعته، والإنسان على اختلافه، وهو ما يحقق في الواقع أيضاً معالجتَه لكل ما يستجد في واقع الناس من الأحداث والقضايا، ونوائب الزمان، وتصحيحَه للتصور نحو الآخر بصفة عامة، والآخر المخالف بصفة خاصة، ذلك ما زاد البحثَ دقة وخطورة، وما زاده أهمية وصعوبة.
وهو موضوع تتعدد مجالاته، منها ما هو فكري (عقدي)، وديني، ومنها ما هو فقهي، ومنها ما هو سياسي واجتماعي، وذلك من حيث جريان الأحكام فيه على سبيل التأصيل والتحليل، وتتجلى أهميته أيضاً، في كونه يدعو إلى تجديد الفهم للخطاب القرآني، وتبصر معانيه ودلالاته، وإدراك مقاصده، وأثرها في معالجة مختلف وضعيات التعامل تجاه المخالفين، كما يدعو إلى تجديد الوعي الديني، والسلوكي، فهماً وتنزيلاً، ولما فيه من رفعٍ للهمة، وفتح المجال للعقل، للمزيد من التدبر والتأمل في القرآن الحكيم، وربط الناس به.
ومعلوم أن موضوع التعامل مع المخالفين بصفة عامة، ومع المخالفين غير المسلمين بصفة خاصة، موضوع متجدد؛ لأن أسبابه متجددة ومتنوعة، وفيه من الفجوات البحثية الكثير، مما عُد ذلك من دواعي البحث فيه.


المقاصد القرآنية- التعامل- المخالف- دراسة تأصيلية- الأحكام الفقهية- تبصر هدايات القرآن


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع