مدونة الدكتور/ جميل أبو العباس زكير بكري
الأنا والآخر بين إطلاق الانفتاح ومحدودية الانغلاق
جميل أبو العباس زكير بكري | Gameel Abo Elabass Zakeer Bakry
02/10/2020 القراءات: 5079 الملف المرفق
الأنا والآخر بين إطلاق الانفتاح ومحدودية الانغلاق
د. جميل أبو العباس زكير بكري
مدرس الفلسفة الحديثة والمعاصرة بكلية الآداب جامعة المنيا- جمهورية مصر العربية
إذا كنا نؤمن بضرورة الحفاظ على هويتنا الوطنية فإننا لا نمانع في الوقت نفسه من الانفتاح على الآخر، وهذا يجعلنا نتساءل: هل الانفتاح على الآخر مطلق أو محدود بضوابط معينة؟
لا ريب أن إيماننا بهويتنا الوطنية التي عبَّرت عنها حضارتنا العربية التي تمثلت في ديننا، وقيمنا، وأخلاقنا، وعادتنا وتقاليدنا، لا تحول بيننا وبين غيرنا، كما أنها لا تجعلنا نتخذ من الحضارة الغربية أو غيرها من الحضارات موقف القطيعة التامة. بل العكس هو الصحيح، وبعبارة أخرى فإننا نؤمن بالانفتاح على الآخر وأن نفتح له جميع نوافذنا ولكن بضوابط وشروط محددة أعلاها وأسماها ضرورة ألا تقتلع تلك الحضارات هوية حضارتنا العربية من جذورها أو تزعزعها عن ثوابتها.
من ثمَّ لا بُدَّ مِنْ وُجُود ضوابط أثناء الانفتاح على الثقافات والمعارف بشكل عام منها:
أولًا: أن يكونَ الانفتاحُ بعد العلْم الشَّرْعي:
فإن العلم بالشريعة الإسلامية ضرورة لمعرفة دين الإسلام وتطبيقها والعمل بها، وهو أيضًا ضرورة للانفتاح الفكري على الثقافات والآداب غير الإسلامية، فالانفتاح المفيد يكون بعد تصور عقيدة الإسلام وأحكامه تصورًا صحيحًا والثقة بها، ورد كل ما يخالفها من عقيدة أو عمل، أما الانفتاح قبل العلم فإنه مزلق خطير يجعل صاحبه يتخبط في الأفكار والمناهج والفلسفات، ويقع فيما يخالف ويناقض أصول دينه، ومن أقل آثاره الشك في صحة دينه، والشعور بالنقص نحوه.( )
ثانيًا: أن يكونَ الانفتاح مع الالتزام بالإسلام:
الإسلام دين شامل لكل جوانب الحياة الإنسانية: الروحية والمادية، الفردية والجماعية، العلمية والعملية، وهو دين ثابت في قواعده وعقائده. لذا فإن الانفتاح، والتطوُّر، والتجديد، والعقل، والإبداع ونحو ذلك، لا يمكن أن تصادم هذا الدين إذا كانتْ صحيحة وحقًا، أما إذا كانتْ باطلًا فمن الطبيعي أن يعارضَ الباطل الحق، والخطأ الصواب( )
ثالثًا: الانفتاح دون الانبهار بثقافة الغير:
لا حرج في أن نأخذ من الغرب فنأخذ من علومهم وتقدمهم التكنولوجي الهائل، مع الأخذ في الاعتبار الاعتزاز بالنفس وعدم الانسحاق أو الذوبان في حضارتهم، وعدم الانبهار المفرط الذي يجعلنا مقلدين فحسب ومن ثمَّ يُقتل فينا الإبداع والابتكار.
على هذا فإن الانبهار بثقافة غير المسلمين، وآدابهم، وأفكارهم، ومناهجهم دليلٌ على عدم العلم بالإسلام، والاعتزاز به، والثقة المطلقة بصدقه، ودلالته على الفلاح والهداية في الدنيا والآخرة، وهو من جهة أخرى يدل على ضعف شخصية المنبهر، وهزيمة نفسه، وقصور فكره، ومن كانتْ هذه حاله فلن يتجاوز التقليد المجرد، أما التجديد، والتطوير، والإبداع، والابتكار فلا يُمكن أن يحصلَها المنبهر حتى يفوقَ من سكر انبهاره بالغير، ويقوم بنقده نقدًا واعيًا ليأخذ ما يفيده، ويرد ما عداه.( )
وهذا ما أكده ابن خلدون في مقدمته حين قال: إن القوي يفرض على الضعيف لغته وفكره وعاداته وتقاليده، وهذا هو واقعنا اليوم.
رابعًا: في أهم وسائل التواصل المنشود مع الآخر وآلياته:
إذا كان التواصل المنشود عبارة عن تفاعل وتعاون إيجابي بين المسلم فردًا ومجتمعًا مع الآخر فردًا ومجتمعًا من أجل تحقيق ما فيه مصلحة كلا الطرفين، ولئن كان التواصل غاية ونتيجة، فإن تحقيق هذه الغاية يتوقف توقفًا أساسًا على ضرورة توظيف مختلف الوسائل الموصلة إلى صور التواصل المنشود في العصر الراهن.( )
وحين ندقق النظر في صور التواصل المنشود، ندرك أن للتواصل وسائل متعددة، بل يمكن للمرء أن يزعم بأنّ له وسائل فكريّة، واجتماعيّة، وسياسيّة، واقتصاديّة، وثقافية، وتربوية، وهذه الوسائل برمتها تعد بطبائعها مرنة في مضامينها ومكوناتها، حيث إنّ محتوياتها تتجدّد بتجدّد الزمان والمكان، كما أنّها تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال، الأمر الذي ينبغي استحضاره عند الحديث عن وسائل التواصل.( )
وقد أشار القرآن الكريم والسنة النبويّة المطهرة إلى عددٍ من هذه الوسائل التي يمكن توظيفها لتحقيق التواصل المنشود مع الآخر، ومن أهمّ تلك الوسائل التي تحدّث عنها القرآن الكريم والسنة النبويّة الشريفة:
1- الحوار، والمجادلة بالتي هي أحسن، وهناك الكثير من الآيات والأحاديث الداعية إلى الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن.
2- الزواج، وقد دلّ القرآن الكريم على هذه الوسيلة من خلال إذنه بالزواج بالمحصنات من الكتابيات.
3- التبادلات الماليَّة والتجاريّة: لقد اقتضت حكمة الله ـ جلّ جلاله ـ أن يكون الأصل في المعاملات الإباحة، وبالتالي الإباحة شاملة للمسلم أن يتعامل مع كل البشر.
4- عقد المواثيق والمعاهدات: بين المسلم وغير المسلم. ( )
مِنْ هنا نلاحظ أنَّ الانفتاح المنضبط نوعان( ):
1- تشجيع الإبداع والاختراع بناء على أن هذه الأمة هي أمة العلم والفكر والبناء.
2- الاستفادة مما لدى الأمم الأخرى من الإبداع الإنساني الذي لا يُخالف الإسلام وحضارتنا.
وهذا يعني أنه لا مندوحة عن التلاقي والتلاقح بين الفكر العربي والفكر العولمي أو الغربي من ناحية الجانب المادي، أما فيما يتعلق بالهوية الوطنية والثقافية فالشرق شرق والغرب غرب ولا يمكن لهما أن يلتقيا.
على هذا نستنتج أن الهوية الوطنية تواجه مشكلات عديدة متشعبة ومعقدة، نتيجة للظروف السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية.. وغيرها منها مشكلة الآخر وآليات التعامل معه.
بالتالي على جميع الدول العربية أن تتكاتف يدًا بيدٍ تحت شعار "وحدة الأمة العربية ونهضتها" في إطار وضع ميثاق عام؛ وذلك من أجل العمل على استعادة حضارتها وخوضها في سباق التقدم على مختلف الأصعدة، الدينية، والاجتماعية، والعلمية، والسياسية، والاقتصادية، والتكنولوجية...إلخ.
المراجع:
الأنا - الآخر - الانفتاح - الحضارة الإسلامية - الغرب - الهوية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
شكرا جزيلا لمنصة أريد
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة