مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (228)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


28/11/2024 القراءات: 170  


-بشارة النووي:
جاء في «تاريخ ابن الوردي» (2/ 329):
«وفيها [سنة 745]: في ذي القعدة توفي بدمشق القاضي شمس الدين محمد بن النقيب الشافعي ... كان ابنُ النقيب بقية الناس، ومن أهل الإيثار، وأقام حرمةَ المنصب لما كان قاضي حلب، فقيهًا كبيرًا محدثًا أصوليًّا متواضعًا مع الضعفاء شديدًا على النوّاب.
قال رحمه الله: دخلتُ وأنا صبيٌّ أشتغلُ على الشيخ محيي الدين النووي فقال لي: أهلًا بقاضي القضاة، فنظرتُ فلم أجدْ عنده أحدًا غيري، فقال: اجلسْ يا مدرسَ "الشامية". وهذا من جُملة كشف الشيخ محيي الدين، وابن النقيبُ حكى هذا بحلب قبل توليته [المدرسة] الشامية».
***
-الإنباء بأنَّ العصا مِن سُنن الأنبياء لعلي القاري.
هذه رسالة كنتُ نسختُها من مجموع مخطوط في مكتبة الأوقاف في بغداد، وغيره:
"بسم الله الرحمن الرحيم
ربِّ زدني علمًا يا كريم.
الحمد لله الذي حمد مَنْ أطاعه وذم مَنْ عصاه، والصلاة والسلام على الذي مَنْ أطاعه فقد أطاعَ الله، وعلى آله وصحبه المقتدين بهُداه.
أمّا بعد: فقد سُئلتُ عمّا يتعلق بالعصا، وما ورد في حقِّها ممّا اشتهر على الألسنة: أنَّ مَنْ جاوز الأربعين ولم يأخذ العصا فقد عصى. فأقول وبالله التوفيق، وبيده أزمّةُ التحقيق:
إنَّ الحديثَ المذكورَ لا أصل له في السُّنة، وما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يحملها دائمًا بين الأئمة، وإنما ثبت: كان يتكئ عليها أحيانًا حال الخُطبة، ولعله بهذا الاعتبار جاء نعته بـ "صاحب الهِراوة" ـ وهي بكسر الهاء: العصا ـ، فقد روى الشافعيُّ عن عطاء مرسلًا: كان صلى الله عليه وسلم إذا خطبَ يعتمد على عنَزَة أو عصا.
وروى ابنُ ماجه والحاكمُ والبيهقي عن سعد القَرَظ أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خطبَ في الحرب خطبَ على قوس، وإذا خطبَ في الجمعة خطبَ على عصا.
نعم يُؤخذ من الآيات الواردة في حقِّ الأنبياء أنَّ أخذها من سُننهم، ويحسن الاقتداء بهديهم وسننهم.
منها: قوله تعالى: (وما تلك بيمينك يا موسى).
ومنها: قوله تعالى في حق سليمان عليه السلام: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل مِنسأته) ـ أي عصاه ـ
ومنها ما ذكره البغوي في قصة شُعيب وموسى عليهما السلام أنه لما تعاقدا عقد الصهورة بينهما أمر شعيبٌ ابنته أن تعطي موسى عصا يدفع بها غنمه.
واختلفوا في تلك العصا:
فقال عكرمة: خرج بها آدمُ عليه السلام من الجنة، فأخذها جبريلُ عليه السلام بعد موت آدم، وكانت معه حتى لقي بها موسى عليه السلام ليلًا فدفعها إليه.
وقال آخرون: مِن آس الجنة حملها آدم عليه السلام من الجنة فتوارثها الأنبياء، وكان لا يأخذها غير نبي إلا أكلته، فصارت من آدم عليه السلام إلى نوح ثم إبراهيم عليهما السلام حتى وصلتْ إلى شعيب عليه السلام، وكانت عنده عصا الأنبياء، فأعطاها موسى عليه السلام.
هذا، وفي "عوارف المعارف": روتْ عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر حمل معه خمسة أشياء: المرآة، والمُكحلة، والمِدرى، والسواك، والمشط. وفي رواية: المقراض.
والصوفيةُ لا تفارقهم العصا، وهو أيضًا من السُّنة، فقد روى معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن اتخذتُ منبرًا فقد اتخذه إبراهيم، وإن اتخذتُ العصا فقد اتخذها إبراهيم.
ورُويَ عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: التوكؤ على العصا من أخلاق الأنبياء، كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عصا يتوكأ عليها، ويأمر بالتوكؤ على العصا.
وذكر صاحبُ "المَدخل" برواية أبي داود عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مُتوكئًا على عصا، فقمنا إليه فقال: لا تقوموا كما يقوم الأعاجمُ يعظّم بعضهم بعضًا.
وفي "الجامع الصغير": كان صلى الله عليه وسلم يحبُّ العَراجين، ولا يزال في يده منها. رواه أحمد وأبو داود عن أنس.
وفي رواية الديلمي في "الفردوس" عن أنس مرفوعًا: حمل ‌العصا علامة المؤمن، وسنة الأنبياء.
وفي "البستان" عن الحسن: أنَّ في العصا ست خصال: سنة الأنبياء، ‌وزينة ‌الصلحاء، وسلاح على الأعداء، وعون الضعفاء والمساكين، ورغم المنافقين.
ويُقال: إذا كان المؤمن مع العصا هرب الشيطان منه، وامتنع عنه المنافق والفاجر، وتكون قبلته إذا صلى، وقوّته إذا أعيي، وفيها منافع كثيرة كما قال موسى: (ولي فيها مآرب أخرى).
وفي "المعالم": كان ‌يحمل ‌بها ‌الزاد، ويشد بها الحبل، فيستقي الماء من البئر، ويقتل بها الحيات، ويحارب بها السباع، ويستظل بها إذا قعد، وغير ذلك.
ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن موسى كان يحمل عليها زاده وسقاءه، فجعلتْ تماشيه وتحادثه، وكان يضرب بها الأرض ويُخرج ما يأكل يومَه، ويركزها فيخرج الماء، فإذا رفعها ذهب الماء، وإذا اشتهى ثمرة ركزها فتغصّنتْ غصن تلك الشجرة وأورقتْ وأثمرتْ، وإذا أراد الاستقاء من البئر أدلاها فطالتْ على طول البئر وصارت شعبتاها كالدلو حتى يستقي، وكانت تضيء بالليل بمنزلة السراج، وإذا ظهر له عدوٌ كانت تحاربه وتناضل عنه.
فهذا آخر ما يتعلق بالعصا، وختم اللهُ لنا بالحسنى، وبلّغنا المقام الأسنى، والله أعلم بالمبدأ والمنتهى".
***
-تلهف الشافعي:
في "مناقب الشافعي" للبيهقي (2/ 80): «أنشد الشافعيُّ لنفسه:
يا لهفَ نَفْسِي على مالٍ أُفَرِّقُهُ … على المُقِلِّين مِنْ أهل المُروءاتِ
إنَّ اعتذاري إلى مَنْ جاء يسألُني … ما ليس عنديَ مِنْ ‌إحْدى ‌المُصيباتِ.
***
-انكسار عجيب:
روى أبو نُعيم في ترجمة الإمام محمد بن واسع عن هشام [بن حسان]، قال: دعا مالك بن المنذر -وكان على شُرط البصرة- محمدَ بنَ واسع فقال: اجلسْ على القضاء، فأبى محمد، فعاوده فأبى، فقال: لتجلس أو لأجلدنك ثلاث مئة [سوط]، فقال له محمد: إنْ تفعل فأنت مسلطٌ، وإن ‌ذليل ‌الدنيا خيرٌ من ذليل الآخرة.
قال: ودعاه بعضُ الأمراء فأراده على بعض الأمر فأبى فقال: إنك لأحمق، فقال محمد: ما زلتُ يُقال لي هذا منذ أنا صغيرٌ. حلية الأولياء (2/ 350).
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع