مدونة البرفسيور محمد عبد الرحمن يونس


ماذا يكتب محمد عبد الرحمن يونس، ولمن يكتب؟ القسم الثالث و الأخير

البروفسيور محمد عبد الرحمن يونس | professor : Mohammad Abdul Rahman Younes


16/02/2025 القراءات: 12  


ماذا يكتب محمد عبد الرحمن يونس، ولمن يكتب؟
القسم الثالث و الأخير
ورقة مقدمة في الندوة التكريمية التي أقامتها الأكاديمية الأمريكية للتدريب و التعليم العالي، تكريما لمحمد عبد الرحمن يونس و دراساته وبحوثه، و أعماله الإبداعية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إن جامعاتنا المعاصرة تهمّش كل المبدعين والعقلاء والمثقفين، وتخلق جيلا مهزوما متسلقا، جيلا غير قادر أن يقول: لا لبنية الاستبداد التي تكرسها، فالطالب يخاف من الرسوب في المادة إن هو قرأ قراءة مغايرة لقراءة أستاذه، والأستاذ الجامعي يخاف قطع رزقه ورزق أطفاله إن قرأ قراءة مغايرة لفكر العميد أو رئيس الجامعة المستبد .
لقد رفع بعض رؤساء الجامعات العربية أنفسهم غرورا وعجرفة وصلفا مخجلا. إذ أقفلوا أبوابهم أمام المراجعين، واستمرأوا إيذاء العاملين في جامعاتهم، ووضعوا حجّابا عليهم، وصمّوا آذانهم أمام أي فعل معرفي وإبداعي وإنساني. فبدلا من أن تكون جامعاتنا حقلا لتكريس فعل القراءة الحرة والتفكير الحر البعيد عن الإرهاب، أسهمت في إلغاء هذا الفعل وتقزيم دوره، فبات الطلاب ينفرون من القراءة ودورها الحضاري والمعرفي. لقد قلّ فعل القراءة في عالمنا العربي، والدليل على ذلك، نحن أمة زادت على 474 مليون نسمة وما يزال الناشرون يطبعون من كتب أهم مفكريها ما لا يتجاوز خمسة آلاف نسخة، وتبقى هذه النسخ أكثر من خمس سنوات حتى تباع. بينما في الغرب الأوربي يطبع من الكتاب الواحد في طبعته الأولى أكثر من مليوني نسخة. فتخيل هذا السبق الحضاري بيننا وبينهم. لقد تراجع فعل القراءة وفعل الكتابة في عالمنا العربي تراجعا مذهلا، وتراجع فعل دور النشر المعرفي، وصارت طباعة الكتب أمرا صعبا ومرهقا ماديا بالنسبة للكتاب، فهناك مئات المخطوطات الفكرية والإبداعية والنقدية في العالم العربي لم تر النور حتى الآن، بفعل صعوبة النشر. فأي فعل للقراءة في ظل الأمية المتفشية في عالمنا العربي، وأي فعل لها طالما لا تجد الكتب المهمة طريقا للنشر، وأي فعل لها حين لا يصل الكتاب العربي إلى المواطن العربي، فعلى سبيل المثال لا يصل الكتاب الليبي المتميز، أو غيره من الكتب العربية إلى دول الوطن العربي الأخرى. إذ تتجول كثيرا من مكتبات العالم العربي ولا تجد الكتاب الذي تبحث عنه، وهكذا تكرست القطيعة المعرفية بين دول العالم العربي مثلها مثل القطيعة السياسية.
إن افتراض قارئ مهتم نكتب له في عالمنا العربي عملية ليست سهلة أبدا، فنحن لا نعرف اهتمامات هذا القارئ أو ذاك، والكتابة في أحيان كثيرة لا تفترض قارئا معينا، أو عددا من القراء. إني مستعد أن أكتب نصا حتى ولو قرأه عشرة قرّاء فقط. الكتابة هي انبثاق معرفي وفكري، تسهم في رقي المجتمع وازدهاره، وإن لم تجد قارئا مناسبا في وقت ما فستجده في وقت آخر.
إن ّاستحضار القارئ عند الكتابة يبدو مثل استحضار الرقيب على النصوص الأدبية في المؤسسات الثقافية العربية. وعندما تتقيد الكتابة بقارئ معين تصبح غاية وظيفية، قبل أن تكون فعلا جماليا مغيرا ومغايرا في الآن نفسه، ومن هنا فإني أكتب نصوصا متحررة من التأطيرات الجاهزة، والمسبقة الصنع، ولا أجبر نفسي على الكتابة عندما لا أجد الرغبة في ذلك، بل إن الكتابة هي التي تدفعني لأن أكتب عندما تحضر، وعندما أجدها بعيدة عني لا أقسر نفسي على ممارستها. وأيضا لا أقسر نفسي على افتراض كاتب ما، بخصوصية معرفية ما.

انتهى


تكريم يونس3 ، ندوة دولية، الأكاديمية الأمريكية