مدونة إبراهيم مرامرية


تنفيذ أشغال الترميم في التراث الثقافي المبني

إبراهيم مرامرية | brahim meramria


19/07/2020 القراءات: 1058  


تجتهد الدول على مرّ الزمن، وتتسابق إقتصاديا بشكل حاد، وتبحث كل دولة على أساليب تطوير إقتصادياتها وترشيد نفقاتها وإيجاد بدائل غير مكلفة ومدرة للعملة، وتبقى عديد الدول مستسلمة لنسقها القديم دون تجديد لنظامها الإقتصادي ،ودون بحث عن بدائل أخرى مربحة وغير مكلفة.
من جهة اخرى تحاول عديد القوميات انتهاج تنمية مستدامة تحفظ ثرواتها للأجيال القادمة، وتعمل عل خلق توازن بين ما تستهلكه في الحاضر، وضرورة ادخار جزء مهم من الثروات كما هي في شكلها الخام لفائدة الأجيال اللاحقة.
وإذا تناولنا موضوع الثروات فإننا حتما لا نقصد ما هو موجود في باطن الارض فقط، ولا حتى الثروات التقليدية الأخرى التي تزخر بها الأوطان، بل نحن نقصد كل الثروات المهددة بالزوال، وأهمها ماتوارثته المجتمعات من تراث ثقافي يحقق مقاصد الحوار بين الحضارات ويستحدث نوع آخر من الإقتصاديات المستدامة في هرم شامخ، يسمو بالمجتمع إلى أعلى المراتب من الرخاء، هرم قاعدته الترميم وما يخلقه من نشاط إقتصادي إنتاجي واسع ومتخصص، وأوسطه الصيانة والحفظ وما يرافق ذلك
من نشاط دائم وتأثيره على سموّ تفكير الأفرام وتعلقهم بتاريخهم، وقمة هذا الهرم السياحة الثقافية وما يصاحبها من رخاء إقتصادي وتطور لباقي القطاعات، على اعتبار أن السياحة قطاع أفقي، إذا ما نجح وتألق سيأخذ معه باقي مجالات الحياة إلى الرقي والتألق والرخاء.
على الرغم من ان موضوع الترميم لا يعدو أن يكون موضوعا تقنيا بحت، إلا أن ارتباطه بالبنايات التراثية جعله يأخذ بعدا آخر، ليرتبط كذلك بالتاريخ والثقافة والفن، فمعالجة الإضطرابات والتشوهات على مستوى المباني المصنفة ضمن التراث الثقافي، لا يجب ان تكون منفردة دون دراسة شاملة تجمع بين تاريخ المبنى واستعمالاته وعمليات ترميمه السابقة وكذا الحضارة أو الحضارات التي شيد خلالها مع الأخذ بعين الإعتبار كل التدخلات والترميمات التي أجريت على المبنى خلال مختلف المراحل الزمنية كتدخل مباشر يمس البناية بصفتها تراث مادي من جهة وكمعارف تقليدية ومهارات في الترميم والبناء تميز مجتمعات تلك الحضارات من جهة ثانية، مرورا بمواد البناء والمعدات والأدوات المستعملة في المكان والزمن.
تتسع مجالات الترميم أكثر فأكثر بحكم تنوع التصميمات واختلاف المواد المستعملة في التشييد من مكان إلى آخر، ومن حقبة تاريخية إلى حقبة تاريخية أخرى، مما يجعل عمليات الترميم صعبة ومعقدة، ويتطلب الأمر كل مرة إجراء أبحاث متعددة الإختصاصات وبشكل معمق، وتعمد مؤسسات الترميم ومكاتب الدراسات المتخصصة إلى جمع وتأمين ملفات ترميم المشاريع، للإستفادة منها في مشاريع أخرى.
إن التراث الثقافي هو الفن الذي ورثناه من أسلافنا وهو الثقافة التي نعيشها ونرتبط بها، بالإنتماء إليها، وما المباني التراثية إلا شواهد على تاريخنا، ومن هذا المنطلق يجدر بنا حفظ هذا التاريخ عن طريق صون ماورثنا من تراث مبني ومعالجته عن طريق عمليات الترميم حتى يعيش لسنوات اخرى محافظا على قيمه الحضارية، وذلك من باب مسؤولياتنا التاريخية، لتتسلمه الأجيال القادمة واللاحقة محفوظا ومرمّما، فلكل جيل مسؤوليته الثقافية والتاريخية، وصدق الله العظيم، القائل في كتابه الحكيـــم، بعد بسم الله الرحمان الرحيم:

(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْـَٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ). صدق الله العظيم (البقرة - 141).

تتجلى أهمية موضوع ترميم التراث الثقافي المبني في جوانب عديدة أهمها، أن هذا التراث قد يكون بديلا إقتصاديا للمجتمع يستغله ثقافيا وسياحيا، وتتجلى أهميته كذلك في كونه يعبر عن هوية الأمة وتميز المجتمع عن باقي المجتمعات، كما أنه ميراث لا بد من حفظه وحمايته وهو كذلك ملك للإنسانية جمعاء وملك للأجيال القادمة واللاحقة على حد سواء كما أن الترميم والإسترجاع تقنيا، له خصائص ومميزات، فهو نوع إستثنائي يختلف كثيرا عن البناء الحديث.
يمكن تفسير أسباب إختياري للموضوع في شقها الشخصي بإنتمائي لولاية تعتبر مهد للحضارات وتحتوي على جزءا كبيرا من المواقع التراثية، ألا وهي ولاية تبسة الواقعة على الحدود الجزائرية التونسية، حوالي 650 كلم شرق العاصمة الجزائر، إضافة إلى اهتمامي بالحقل الثقافي وكل ما يرتبط به من قريب أو من بعيد وما يمليه هذا الإهتمام من مسؤوليات، كما أنني أحاول أن أمرر المعلومة لكل المهتمين بهذا المجال وأكسبهم ما اكتسبت من معارف وعلوم ومهارات، لأصل بذلك إلى نتائج قد تفيدني في تطوير عطائي المهني والبيداغوجي كأستاذ تخصصت في مجال ترميم التراث المبني.
أما في شقها الموضوعي فيمكن تفسير أسباب إختياري لهذا الموضوع أساسا بمحاولتي الإلمام قدر المستطاع بأهم الجوانب المتعلقة بترميم التراث الثقافي المبني، خاصة في شقها المهاري والحرفي والتكنولوجي وما تعلق بتنفيذ هذا النوع الذي تميزه مهارات خاصة من الاشغال، كما أنني أحاول أن أترجم كل ما أحرزت من خبرات ومعارف خلال تكويني المتخصص لدى خبراء أوروبيين من مدرسة أفينيون(Avignon) الفرنسيـــــــة، إلى مادة علمية مهنية يستفاد منها كل طالب وكل متكون وكل منتمي إلى مجال ترميم التراث المبني ، موظفا كان أو ناشطا جمعويا، أو حتى مواطنا عاديا يعتقد بأهمية التراث الثقافي، كما أنه يمكن لهذه المساهمة أن تضاف إلى جهود الترويج لمجال الترميم والحفظ ونشرها كثقافة، لا على مستوى الدوائر المهنية والعلمية والثقافية فحسب، بل لدى عموم الناس، على اعتبار ان التراث هو ميراث للكل .
وبالتالي فإن هذه الدراسة تهدف إلى تسليط الضوء على مختلف الأساليب والتقنيات المتبعة في ترميم التراث المبني، سيما في جانبها التطبيقي.
وككل باحث من المؤكد أنني واجهت عدة صعوبات يمكنني تلخيص مجملها في كون التراث الثقافي ككل كنز، تشوبه خصوصي


التراث الثقافي ترميم البنايات التاريخية تنفيذ أشغال الترميم الحضارة قانون الترميم


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع