آداب التعامل مع القرآن الكريم
عمر محمد جبه جي | Omar Jabahji
23/08/2019 القراءات: 3843
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي امتن على عباده بنبيه المرسل وكتابه المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيمٍ حميدٍ ، حتى اتسع على أهل الأفكار طريق الاعتبار بما فيه من القصص والأخبار ، و اتضح به سلوك المنهج القويم والصراط المستقيم بما فصل فيه من الأحكام ، وفرق بين الحلال والحرام .
فهو الضياء والنور وبه النجاة من الغرور ، وفيه شفاء لما في الصدور ، ومن خالفه من الجبابرة قصمه الله ، ومن ابتغى العلم في غيره أضله الله ، هو حبل الله المتين ، ونوره المبين ، والعروة الوثقى ، والمعتصم الأوفى ، وهو المحيط بالقليل والكثير ، والصغير والكبير ، لا تنقضي عجائبه ، ولا تتناهى غرائبه، لا يحيط بفوائده عند أهل العلم تحديدٌ ، ولا يخلقه عند أهل التلاوة كثرة الترديد .
هو الذي أرشد الأولين والآخرين ، ولما سمعه الجن لم يلبثوا أن ولوا إلى قومهم منذرين فقالوا : ( إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً) ( سورة الجن : 1-2 ) فكل من آمن به فقد وفق ، ومن قال به فقد صدق ومن تمسك به فقد هدي ، ومن عمل به فقد فاز ، قال تعالى: ﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾( الحجر : 9 ) .
أما بعد:
فهذا بحثٌ جديدٌ في آداب التعامل مع القرآن الكريم، وتكمن أهمية هذا البحث في أنه يتناول موضوعاً مهماً جداً ، وهو موضوع التعامل مع القرآن على الوجه الذي يرتضيه الله تعالى ، وفق ما نهج السلف الصالح ، ونحن بأمس الحاجة إلى الوعي بهذا الموضوع فواقع معظم المسلمين هذه الأيام مع القرآن مؤرقٌ ، وعلاقتهم معه يحكمها الهجر والعقوق ، فالكثير من المسلمين هجروا القرآن فلا يقرؤونه إلا في رمضان أو في مجالس العزاء ، والملتزمون منهم يقرؤون القرآن باستمرارٍ ويحفظونه عن ظهر قلبٍ ولكن يكتفون بهذا الحد ولا يتجاوزونه إلى التدبر والتفكر بما يحتويه القرآن من منهجٍ جاء ليغير حياة الناس ويرتقي بها إلى المستوى الذي يريده الله لعباده ، فبالنظر إلى مراكز ودروس القرآن التي تنتشر في شرق بلاد الإسلام وغربها نرى أن الطريقة التي يعلم بها القرآن يصعب معها استحضار واستصحاب التدبر والتذكر والنظر ، فالجهد كله ينصرف إلى ضوابط الشكل من أحكام التجويد ومخارج الحروف ، كأننا نعيش المنهج التربوي والتعليمي المعكوس ، فالإنسان في الدنيا كلها يقرأ ليتعلم ، أما نحن فنتعلم لنقرأ ! وقد لا يجد الإنسان أثناء القراءة فرصةً للانصراف إلى التدبر والتأمل ، وغاية جهده اتقان الشكل ، وقد لا يعيب عليه الناس عدم إدراك المعنى قدر عيبهم عدم اتقان اللفظ ! ونحن هنا لا نهون من أهمية ضبط الشكل وسلامة المشافهة ، لكننا ندعو إلى إعادة النظر في الطريقة حتى نصل إلى مرحلة التأمل والتفكر والتدبر التي تترافق مع القراءة .
إن الأمة الإسلامية اليوم تعيش في حالة أميةٍ عقلية بسبب الغياب الحضاري والعجز عن تدبر القرآن الذي هو المنهج الذي به رقيها ، كما أن الأمة عاجزةٌ عن التعامل مع الأحداث ، واتخاذ المواقف ، و اكتشاف سنن الله في الأنفس والآفاق وحسن تسخيرها ، ومعرفة كيفية التعامل معها ، والنفاذ من منطوق النص وظاهره إلى مقصده ومرماه ، والتدخل حين نعلم السنة وأنها تتكرر ولا تتبدل ، فنستطيع توجيهها إلى حيث نريد ونفيد ، إننا نخشى أن نقول : إن علل الأمم السابقة التي حذر منها القرآن ونبه إليها الرسول صلى الله عليه وسلم قد تسربت إلى العقل المسلم ، قال تعالى : ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون ) ( البقرة : 78 ) ، أي لا يعلمون الكتاب إلا تلاوةً وترتيلاً .
قد يظن البعض أن مشكلة الأمة تكمن في غياب المنهج ، وقد يلجأ البعض إلى استيراد مناهج من الشرق والغرب ليطبقها على أمتنا ، وأنا أقول : إن المشكلة التي يعانيها المسلمون لا تكمن في غياب المنهج ، وإنما تكمن في افتقاد وسائل الفهم الصحيحة ، و أدوات التوصيل وكيفية التعامل مع القرآن ، والجهود اليوم يجب أن تنصب على فهم القرآن وتدبره و استخراج المناهج التي تبني حياة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والعالم .
نحن بحاجةٍ إلى إعادة استدعاء القرآن العظيم إلى الساحة الثقافية الإسلامية ، وإنهاء حالة الهجر والفصام بينه وبين العقل المسلم ، وجعله المصدر الأول والأهم للمسلم المعاصر ، كما كان كذلك عند السلف ، يرجع إليه ليستقى منه العلم والمعرفة الدقيقة السليمة في نظرته إلى الإنسان والحياة والوجود ، في الفطرة الإنسانية والاجتماعية ، في قضايا الفرد والأسرة والمجتمع ، والعلاقات والنظم .
بحث فكري قرآني
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع