الاقتصاد الجديد الاقتصاد المعرفي
البروفيسور :بركات احمد | Professeur. BERKAT AHMED
30/10/2020 القراءات: 3541
تمهيد
كانت المعرفة ولا تـزال المورـد الرئيسي لكل الأنشـطة الإنسانية مهما كان توجهها ومستواها، ولكنها لم تسـتثمر استثمار حقيقيا ولم يلتفـت إلى أهميتهـا الفعلية إلا مع نهاية الألفية السابقة وبـدايات الألفية الحالية، حيـث تحولـت إلى ركـن أساي مـن أركان الاقتصاد العـالمي، الـذي تحرر من قيود رأس المال والعمال وأصبح الاعتماد على المعرفة بشكل كلي.
ويرى بعض الباحثين المختصين أن العالم يتعامل مع صناعات معرفيـة بحتة تكون الأفكار منتجاتها والبيانات مواردها الأولية والعقل البشري أداتها، إلى حد أصـبحت المعرفة المكون الرئيسي للنظام الاقتصادي والاجتماعي العاصر.
يمثل اقتصاد المعرفة اتجاها جديدا في الرؤية الاقتصادية العالمية، ينظر إلى المعرفة بوصفها محرك العملية الإنتاجية والسلعة الرئيسية فيها، حيث تلعب دورا رئيسيا في إنتاج الثروة غـير المعتمدة على رأس المال التقليدي ولا على المواد الخام أو العمال إنما، تعتمد كليا على رأس المال الفكري ومقـدار المعلومات المتوفرة لدى جهة ما (مثلا شركة، دولة، هيئات...) وكيفية تحويل هذه المعلومات إلى معرفة ثم كيفية توظيف المعرفة للاستفادة منها بما يخدم البعد الإنتاجي، وعليه أصبحت المصادر غير الملموسة (المعرفة والمعلومات) - وهو ما يميز الاقتصاد الجديد - مجالا رحبا للتنافس العالمي، وأصبحت موضوعا لمهن مستقبلية في إطار اقتصاد المعرفة فضلا عن كونها موردا فعليا للثروة.
وعليه فقـد شـهدت بداية القرن الواحد والعشرين تطورات مذهلة، حققـت تغـيرات بنيوية عميقة في المجتمع والإدارة والاقتصاد، وأصبحت البشرية على عتبات عصر جديد، تلعـب فيه إجراءات حقن الاقتراحات في الاقتصاد والتكنولوجيات العالية دورا أساسيا ومفتاحيا في تسريع حركة توليد المعرفة، ويقدم كل يوم تطورات مذهلة سواء على الصعيد التقني أو على صعيد التغيرات البنيوية العميقة، التي تظهر وتتبلور كل يوم، حتى فقـد المحللون قدرتهم على التوقع والتنبؤ لأن معطياتهم أصبحت كل مرة متغيرة .
على الرغم من اختلاف تسميات العصر الجديد أين سماه البعض بالعصر الإلكتروني وسماه البعض الآخر بعصر المعلومات أو عصر ما بعد الصناعة أو عصر المعرفة أو العصر الرقمي، إلا أنها تسميات تشير في مضمونها لشيء واحد تشكل المعرفة جوهرها والقوة المتحركة فيه .
على هذا الأساس كان لزاما أن يتناول هذا البحث مجموعة من المفاهيم الأساسـية حول المعرفة، اقتصاد المعرفة كذلك أهـم الملامح الدالة على الانتقال من الاقتصاد الصناعي إلى اقتصاد المعرفة وصولا إلى مؤشـرات تقييم هذا الاقتصاد.
مفهوم المعرفة:
إن تاريخ الفلسفة منذ المرحلة اليونانية القديمة يمكن عده عملية بحث عن إجابة لسؤال (ما المعرفة؟) وعلى الرغم من الفروق الجوهرية بين المذهب العقلي والمذهب التجريبي فقد اتفق الفلاسفة الغربيون عموما على أن المعرفة (معتقد صادق مبـرر) وهو مفهوم طرحه أول مرة أفلاطون في أحد مؤلفاته، غير أن تعريف المعرفة أبعد ما يكون عن الكمال من حيث المنطق، فوفقا لهذا المفهوم لا يشكل اعتقادنا فـي صـدق شيء ما معرفتنا الحقيقية به ما دامت هناك فرصة ولو ضـئيلة لأن يكـون معتقـدنا خاطئا؛ ولذا فإن السعي وراء المعرفة في الفلسفة الغربية يكتفيه قدر كبير من النـزوع إلى الشك، وهو ما دفع فلاسفة عديدين إلى البحث عن طريقة تساعدهم علـى تبـين حقيقة المعرفة بما لا يدع مجالا للشك مـستهدفين اكتـشاف المعرفـة الجوهريـة أو الأساسية بلا دليل التي يمكن تأسيس المعارف الأخرى كلها عليها.
وقد بقي الجدل قائما حول هذا السؤال المهم إلى وقتنا هذا، ولقد وردت مفاهيم كثيرة، نذكر أهمها:
1- مفهوم كري(Grey): لقد قام بتوضيح مفهوم المعرفة كالآتي: "المعرفة هي الاسـتفادة الكاملـة مـن المعلومـات والبيانات بصحبة إمكانيات ومهارات الأشخاص من كفاءات وأفكار وبـديهيات، ومـا يصاحب ذلك من التزام وتحضير المال، القوة، التعليم، المرونة، والمنافسة وينص على أن المعرفة تقدم الردود على التساؤلات والحالات الحرجة وهي الأكثر تعلقا بالأعمال، ومع ذلـك تبقى الممتلك الأكثر إهمالا، والمعرفة إما أن تخزن في العقل الفردي أو ترمـز فـي العمليات التنظيمية، والوثائق المنتجات، والخدمات، والتسهيلات الأنظمة.
2- مفهوم جون لويس أرمين وعماد بوغزالة: "على أنها رأسمال اقتصادي، ومصدر استراتيجي وعامل استقرار المؤسسة، وتلعب دور أساسي في تحقيق ميزة تنافسية حاسمة".
3- مفهوم ياسر الصاوي: يرى أن المعرفة هي:''تلك الأفكار والمفاهيم التي تصل إليها كينونة معينة (فرد، مؤسسة، مجتمع) والتي تستخدم لاتخاذ سلوك فعال نحو تحقيق أهداف الكينونة''، كما حددها رياضيا على أنها المعلومات المتفاعلة مع التكنولوجيا التي يزداد تأثيرها ازديادا كبيرا عند تقاسمها.
إن سيادة مفاهيم مجتمع المعلومات في عصرنا الراهن قد أفرزت جملة من المتغيرات الجديدة بين منظومة تقنيات المعلومات والمنظومة الاقتصادية، وقد برزت العديد من الاصطلاحات الاقتصادية، المعلوماتية المستحدثة، مثل الذكاء الاصطناعي، اليقظة الإستراتيجية، الفجوة الرقمية، الانترنت، الانترانت والاكسترانت التي تؤشر على بزوغ فجر جديد لاقتصاد المعلومات والمعرفة.
المعرفة = المعلومة المختزنة + القدرة على الاستفادة من هذه المعلومات
أنواع المعرفة: المعرفة يمكن أن تتضمن أنواعا وأشكالا عديدة من بينها:
1- المعرفة الضمنية: وهـي معرفـة غـير ظاهرة تكـون متضـمنة في أشخاص تتـوفر لـديهم هـذه المعرفـة، والـتي تخزنها عقولهم، وما تحتويه هذه العقول مـن معـارف وأفكـار لا تنفصل عـنهم، أي أنهـا مرتبطـة ولصـيقة بهم، ومن ثم لا يتاح نشرها أو نقلها بمعزل عن أصحابها، وقد لا يتم التعـرف عليهـا أو اسـتخدامها إلا عنـدما تنشأ حاجة لـذلك، وحتى أن المعرفـة الضـمنية هـذه قـد لا يمكـن التعبـير عنهـا في حالات معينة حيـث أن الشـخص يمكـن أن يعرف أكثر مما يعبر عنه بخصوص موضوع أو مجال معين. تابع
المعرفة، اقتصاد، مؤشرات، متطلبات.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع