مدونة د. طه أحمد الزيدي


الدلالات الاعلامية لأسباب النزول

د. طه أحمد الزيدي | Dr. TAHA AHMED AL ZAIDI


12/02/2020 القراءات: 2920   الملف المرفق


الدلالات الإعلامية لأسباب النزول / د. طه أحمد الزيدي
المقصود بأسباب النزول:
يعرف الإمام السيوطي سبب النزول بأنه: (ما نزلت الآية أيام وقوعه)، وتفصيله : ما نزلت الآية أو الآيات متحدثة عنه أو مبينة لحكمه أيام وقوعه، والمعنى إنه حادثة وقعت في زمن النبي  أو سؤال وجه إليه، فنزلت الآية أو الآيات من الله تعالى ببيان ما يتصل بتلك الحادثة أو بجواب هذا السؤال.
وفي نزول آيات القرآن قسمان:
1- قسم نزل ابتداء غير مرتبط بسبب، وهو أكثر القرآن.
2- قسم نزل مرتبطا بسبب من الأسباب.
وأكثر القرآن نزل ابتداء لإحقاق الحقِّ، وإبطال الباطل, وهداية الخلق إلى الخالق -عز وجل، وما نزل على أسباب خاصة، وحوادث معينة قليل، لكنه مع قلته تألَّف منه علم عظيم، لا غنى عنه لمفسِّرٍ أو محدِّثٍ أو فقيه.
ومن هذه الأسباب:
أ- حدوث واقعة معينة فينزل القرآن الكريم بشأنها:
عن ابن عباس قال: لما نزلت: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (سورة الشعراء: 214)، خرج النبي حتى صعد الصفا، فهتف: يا صباحاه، فاجتمعوا إليه فقال" أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟.." الحديث، فقال أبو لهب تباً لك، إنما جمعتنا لهذا، ثم قام، فنزل قوله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) (سورة المسد: 1).
ب-أن يُسال الرسول عن شيء، فينزل القرآن ببيان الحكم مثال ذلك: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ، فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ اليَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تَسْأَلُوهُ، لاَ يُسْمِعُكُمْ مَا تَكْرَهُونَ، فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: يَا أَبَا القَاسِمِ حَدِّثْنَا عَنِ الرُّوحِ، فَقَامَ سَاعَةً يَنْظُرُ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَتَأَخَّرْتُ عَنْهُ حَتَّى صَعِدَ الوَحْيُ، ثُمَّ قَالَ: " {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} (الإسراء: 85)" أخرجه البخاري.

الدلالات الإعلامية في أسباب النزول
هنالك دلالات إعلامية متعددة، وفوائد متنوعة تستنبط من قراءتنا لأسباب النزول ولاسيما فوائدها، وسنحاول ان ندرج هذه الدلالات على شكل جداول مع تحليل لما تضمنته من إحصائيات.
أولا : قراءة إحصائية
إنّ نسبة الآيات القرآنية التي نزلت لسبب ما لا تتجاوز 5.52%، مما يعني أن أغلب الآيات القرآنية نزلت ابتداء، وذلك:
- لإحاطة المصدر علما بالبيئة الإعلامية التي نزل فيها القرآن، وإحاطته علما بالمرسل والمتلقين والرسالة.
- ولأنه سبحانه وتعالى بادر إليهم في تنزيل ما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم، فغطت الرسالة احتياجاتهم واشباعاتهم وزيادة.
- كما تتجلى الحكمة في تحديد الآيات السببية، لقطع الطريق أمام الحرص الشديد للمتلقين الايجابيين في السؤال عن أشياء تجاوز عنها الله تعالى رحمة بعباده، وأمام من يريد العبث في موضع الجد.
- لقد احاطت اسباب النزول بعناصر العملية الإعلامية البلاغية، فمنها ما يتعلق بالمصدر أو بالقائم بالإعلام وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها ما يتعلق بالرسالة ومحتواها، ومنها ما يتعلق بواسطة التبليغ والإعلام كجبريل عليه السلام والكتاب، ومنها ما يتعلق بالمتلقين والتغذية الراجعة منهم وطبيعة الاستجابة.
وهكذا يتجلى لنا أن ظاهرة سبب النزول على محدوديتها ضمن القرآن، هي ظاهرة إعلامية بامتياز، حققت مقاصد إعلامية في التأثير بالمتلقين وهذا هو الهدف الكبير من إنزال الكتب وإرسال الرسل : بيان الحق وإبلاغهم به والحرص على هدايتهم إليه.
ثانيا: قراءة إعلامية في ظاهرة أسباب نزول الآيات
إن التأمل الدقيق في الأبعاد الإعلامية في ظاهرة أسباب النزول، على وجه الإجمال نخرج بالنتائج الآتية:
المواكبة في البناء الإعلامي
إن نزول الآيات القرآنية لسبب يؤكد على حكمة إعلامية، تتجلى في المواكبة للأحداث والوقائع وما يستلزم من ردود على أسئلة أو شبهات، وهذا ينمي الواقعية في بناء إعلام حقيقي يواكب الأحداث، فالآية أو الآيات أو السورة تهبط وحيا على النبي صلى الله عليه وسلم لتكون ردا على ادعاء أو محاورة مع مكابر أو تأييد لموقف أو تبرئة لمتهم مظلوم أو تشريعا وتنظيما لأوضاع ووقائع جديدة لم تكن من قبل.
تحجيم التشويش الإعلامي
من اشد ما يؤثر على سير العملية الإعلامية وفي وصول الرسالة من المصدر إلى المتلقي عبر واسطة هو محاولة التشويش لحرفها عن مسارها، أو تضليل المتلقي عن حقيقتها، فنزول الآيات وقت الحدث تسهم بشكل فاعل في تحجيم التشويش على الرسالة، وهو بذلك لا يترك مجالا للتضليل الإعلامي الذي يمارسه خصوم الرسالة.
فمعرفة أسباب النزول يقابله في الإعلام المعاصر معرفة سبب الأحداث والوقائع ولذلك من الأسئلة المحورية في تغطية الأحداث والوقائع (لماذا) أي ما سبب وقوع الحدث وحصوله، لتكون الصورة متكاملة لدي المتلقي، ففي بعض الأحيان ان معرفة سبب الحادثة يغير التصور 180 درجة.
كما أنّ حصر طرق معرفة أسباب النزول بالصحابة، لها دلالة إعلامية على أن الحدث يؤخذ من أقرب مصدر إليه، ولذا نجد بعض المحطات الإخبارية تضع شعارا لها " الأقرب إلى الحدث"، أو " في الحدث".


اعجاز اعلامي- تفسير اعلامي- علوم القرآن- اعلام اسلامي- سبب النزول


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع