أثر الدبلوماسية الرقمية في العلاقات الدولية
محمد كريم جبار الخاقاني | mohammed karim jabbar alkhakani
31/08/2021 القراءات: 3972
أثر الدبلوماسية الرقمية في العلاقات الدولية.
محمد كريم الخاقاني. اكاديمي وباحث في الشأن السياسي.
تعد الدبلوماسية الرقمية واحدة من أكثر وسائل تنفيذ السياسة الخارجية تأثيراً في وقتنا الحالي، ويظهر ذلك جلياً بعدم مجاراة القوى الكبرى المتحكمة في النظام الدولي لتأثيرات الإعلام ومحاولات السيطرة عليه، وعليه دخل الإعلام الرقمي في ميادين تنفيذ السياسات الخارجية للدول فأضحت لاعباً جديداَ لا يمكن تجاهل تأثيراته بحكم إنتشار القنوات الفضائية وشبكات التواصل الإجتماعي ومنتديات الحوار الإلكتروني وغيرها من انواع الإعلام الإلكتروني الجديد. ومع تطور وسائل التواصل بفضل الإنترنت والسوشيال ميديا بشكل خاص، اصبح تأثير العالم الرقمي اكثر واقوى من ذي قبل وبالخصوص في ميادين السياسة الدولية وتفاعلاتها، فقد منحت وسائل التواصل الإلكترونية شعوب العالم القوة اللازمة عبر وضع المسؤولين عن الملفات السياسية اي العاملين في السياسة من رجال دولة ووزراء وغيرهم تحت مراقبة تلك الوسائل الإعلامية، ورصد ومتابعة مواقفهم واحاديثهم، وهذا لم يكن متاحاً في العقود الماضية اي بعد الثورة الإلكترونية الكبرى في نهايات القرن الماضي والإكتفاء بوسائل الإعلام الإعتيادية.
ويمكن القول بإن تأثير الإعلام الرقمي في مجال العلاقات الدولية يبرز بشكل واضح في مدى قدرة الوسائل الإعلامية في تقديم الخبر الخارجي عبر تقنيات دمج محتوى الخبر مع تقنيات الصورة وتقديمه بصورة سلسة ومن دون تكلف بحيث يكون تمازج الصورة المعروضة منسجماً مع الخبر المعروض عبر وسيلة الإعلام هذا من جانب، ومن جانب آخر نجد بإن الوسائل الإلكترونية اتاحت لنا في عالم السوشيال ميديا القدرة على نشر معلومات جديدة ومباشرة من مصدر الحدث فيما يخص الشؤون الدولية وفي وقت قصير جداً بالمقارنة مع وسائل الإعلام التقليدية، اي إختصار الوقت لنقل الصورة ومن مصدرها مباشرة إعتماداً على توظيف الوسيلة الإلكترونية في نقل الحدث، فضلاً عن السهولة في فهم تطورات الحدث بصورة مبسطة وبعيدة عن التعقيد وإمكانية تداوله بيسر ومن دون مشقة.
وشاع في وقتنا الحاضر إستخدام مصطلحات ومفاهيم لم تكن متداولة بشكل واسع في السابق مثل الدبلوماسية الرقمية ودبلوماسية وسائل التواصل الإجتماعي الإلكترونية كتطبيقات تويتر وفيس بوك، والكثير من التسميات والتي مثلت بحد ذاتها تغيراً في كيفية التعامل مع وسائل الإعلام بصيغتها الجديدة، وعبّرت عن تحولات في مجال الإعلام بوصفها فاعلاً ومؤثراً جديداً. ولعلنا لا نبالغ في إن أبرز تأثير يمكن تلمسه في مجال التحول الجديد للإعلام يتعلق بمدى قوة تأثيرها في الرأي العام وإنعكاساته على رسم سياسات الدول خارجياً، فالإعلام كوسيلة تأثير هي مرآة للواقع الذي تعيشه الدول داخلياً، ومن ثم يمكن معرفة توجهات الرأي العام الداخلي من خلال تصفح المواقع الإلكترونية بمختلف تطبيقات التواصل الإجتماعي وللقضايا التي تحوز على إهتمامات الجمهور، ويطبق هذا الحال كذلك على تأثيرات وسائل الإعلام خارجياً عبر تسليط الضوء على قضايا سياسية باتت تشغل الرأي العام الخارجي كقضايا الإرهاب والهجرة وتغير المناخ وغيرها.
ويعد إستخدام وسائل التواصل الرقمي بمختلف تطبيقاتها دليلاً على مدى تمتع الدول بقوتها، فلم تعد النظرة الى قياس قوة الدول يُنظر اليه بمعيار القوة الصلبة اي القوة العسكرية فضلاً عن الأدوات الإقتصادية وغيرها من مقومات قياس القوة التقليدية، بل اصبحت قوتها تقاس عبر مدى إحداثها للتأثير في وسائل التواصل الرقمي.
ومع تزايد التأثيرات التي تؤديها وسائل الإعلام في السياسة الدولية، باتت تلك الوسيلة تقوم بدور دبلوماسي مساند للوظائف التقليدية التي تضطلع بها الدولة في المحيط الخارجي، إذ لا يخفى مدى تمتع وسائل الإعلام الجديدة بميزة التجاوب والتفاعل مع ما يطرأ من متغيرات في السياسة الدولية، فأصبحت وبفعل سرعة إنتشارها وإمكانية تداولها بسهولة تامة و زيادة المعلومات التي يعتمدها الدبلوماسي في تقييم المواقف السياسية، وكذلك في تقديراته وتحليلاته لما يستجد من المواقف والأحداث على مستوى العالم، وذلك من هلال توافر ميزة التباحث والتداول بين مختلف الأطراف سواء كانوا صانعي قرار أو على مستوى رسم السياسة الخارجية كخبراء أو من خلال تفاعل أفراد المجتمع فيما بينهم، فلقد وفرت المنصات الحوارية والمجموعات التفاعلية ميزة مضافة لتحليل وإستخلاص اهم النتائج والتحليلات لمختلف القضايا ذات الإهتمام المشترك، فعن طريقها يتم تبادل الرؤى والأفكار ووجهات النظر،إذ عملت وسائل الرقمي على تقليص المسافات وتقريبها والعمل على إيجاد مساحات للحوار بين الأطراف المختلفة، فمن خلال إستخدام أدوات التواصل الرقمي يمكن ان يجلس الخصوم لطرح وجهات نظرهم للقضايا التنازع عليها، ويمكن تلمس ذلك في التمثيل الدبلوماسي بشكل إفتراضي وعبر إستخدام شبكات التواصل الرقمي، إذ تمثل تلك الشبكات منصات تفاعلية للحوار بين الخصوم حتى وإن لم يكن على ارض الواقع كوسيلة لتبادل وجهات النظر بينهم وصولاً لتحقيق الهدف الاساس المتمثل بالحفاظ على السلك والأمن الدوليين، ولعلنا لا نبالغ في تصوير أهمية إستخدام الوسائل الرقمية مع تزايد إنتشار جائحة كورونا، إذ إنتهجت الدول طريق عقد المؤتمرات والإجتماعات وعلى مختلف الأصعدة عبر الدعوة لعقدها على مستوى العالم الإفتراضي المتمثل باللجوء الى تطبيقات رقمية عملت على تقريب المسافات وتبادل الأفكار وذلك عبر كبسة زر، إذ إسهمت تلك التقنيات الرقمية على تواصل الدول عبرها وصولاً لتحقيق أهدافها، وعليه يمكن القول بإن الظروف الإستثنائية التي فرضتها إنتشار جائحة كورونا قد عملت الدول على إستثمارها بشكل جيد من خلال تواصل فعالياتها السياسية والإقتصادية وغيرها عبر إستخدام وسائل التواصل الرقمي.
*منشور في جريدة الصباح ٣١_٨_٢٠٢١.
الدبلوماسية، الرقمية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع