مدونة عبدالحكيم الأنيس


حُسن القول والعمل في الثقة بالله والصبر والأمل

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


30/07/2024 القراءات: 329  


هذه طاقة من الحكمة، فيها تذكير وتبصير، وترشيد وتسديد، وبيانٌ لحقيقة الدنيا:
-قال أبو إسحاق إبراهيم بن العباس الصولي البغدادي، الأديب، أحد الشعراء المشهورين، والكتاب المذكورين:
ولربَّ ‌نازلةٍ يضيقُ بها الفتى … ذرعًا وعند الله منها مخرجُ
كملتْ فلما استحكمتْ حلقاتُها … فرجتْ وكان يظنُّها لا تفرجُ
يُقال: إنه ما ردَّدهما مَنْ نزلتْ به ‌نازلةٌ إلا فرجتْ عنه .
***
-وقال إبراهيم بن كنف النبهاني الصنعاني:
‌تعزَّ ‌فإنّ الصبر بالحر أجملُ … وليس على ريب الزمان معولُ
فلو كان يُغني أن يُرى المرء جازعًا … لنازلةٍ أو كان يغني التذللُ
لكان التعزي عند كل مصيبة … وإن عظمتْ منها أجل وأفضلُ
فكيف وكلٌّ ليس يعدو حمامَه … ولا لامرئٍ عما قضى الله مزحلُ
وإن تكن النعماء فينا تبدلتْ … بنعماء بؤسى والحوادث تفعلُ
فما لينتْ فينا قناة صليبة … ولا ذللتنا للذي ليس يجملُ
ولكنْ رحلناها نفوسًا كريمة … تحملُ ما لا نستطيع فيحملُ
والمؤمنُ يصبر ابتغاء وجه ربه، لا لدنيا، ولا لسمعة.
***
-وقال المبرد: سمع العطوي -أحمد بن إبراهيم بن أبي عطية أبو عبدالرحمن - رجلًا يحدِّث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلًا قال له: إن فلانا قد جمع مالًا، فقال عمر : فهل جمع أيامًا؟ فأخذ العطوي هذا المعنى وقال:
أرفهْ بعيشِ فتى يغدو على ثقةٍ … أن الذي قسم الأرزاق يرزقُه
فالعرض منه مصون ما يدنسه … والوجه منه جديد ليس يخلقُه
جمعت مالًا فقل لي هل جمعتَ له … يا جامع المال أيامًا تفرقُه؟
والمال عندك مخزونٌ لوارثه … ما المال مالك إلا حين تنفقُه
***
-وقال الربيع بن سليمان بن عبدالجبار أبو محمد المرادي مولاهم الفقيه المصري المؤذن صاحب الشافعي وراوي كتبه (ت: 270):
صبرًا ‌جميلًا ما أسرعَ الفرجا … مَنْ صدق الله في الأمور نجا
مَنْ خشيَ الله لم ينله أذى … ومَنْ رجا اللهَ كان حيث رجا
***
-وقال زيد بن محمد بن زيد العلوي (ت: 314):
وراء مضيق الخوف متسعُ الأمنِ … وأولُ مسرورٍ به آخرُ الحزنِ
فلا تيأسنْ فالله ملّك يوسفًا … خزائنَه بعد الخلاص من السجن
***
-وقال سعيد بن إبراهيم أبو الحسن التستري:
ما لكَ قد هيّمك الهمُّ … وضلَّ عنك الحزمُ والفهمُ؟!
لو ‌رمتَ ‌أن يبقى الأذى ما بقي … لا فرحٌ دامَ ولا غمُّ
قال الصفدي: مثلُه قول القائل:
لا تسأل الدهرَ في ضراء يكشفُها … فلو سألتَ دوامَ البؤس لم يدمِ
***
-وقال أبو النصر الهروي: عبدالرحمن بن عبدالجبار -من أهل هراة. كان من المعدَّلين بها، ومن وجوه محدثيها وأدبائها، وكان كثير الصلاة والصدقة، دائم الذكر، متوددًا متواضعًا، له معرفة بالحديث والأدب، يكرم الغرباء، وفيه دماثة أخلاق، حسن السيرة، جميل الطريقة، وأولاده وأحفاده شهود- (ت: 546):
‌يروم ‌القلبُ عيشًا مستطابا … مدامًا لا يغيِّره الزوالُ
ومَن عرف الزمان درى يقينًا … بأن منالَ ما يرجو محالُ
فطبْ نفسًا بما قضت الليالي … فليس لدفع ما يقضى احتيالُ
فلا حزنٌ يدوم ولا سرورٌ … ولا هجرٌ يدوم ولا وصالُ
***
-وقال سعيد بن عبدالرحمن بن أحمد بن محمد بن عبد ربه -وهو من بيت ابن عبد ربه الأديب، كان ابن عبد ربه عمه المشهور- وكان سعيد طبيبًا فاضلًا وشاعرًا محسنًا، وله في الطب تمكنٌ، وتحققٌ لمذاهب القدماء، ولم يخدم بالطب سلطانًا، وكان منقبضًا عن الملوك:
أمن بعد غوصي في علوم الحقائق … وطول انبساطي في مذاهب خالقي
وفي حين إشرافي على ملكوته … أرى طالبًا رزقًا إلى غير رازقي؟
وأيام عمر المرء متعة ساعة … تحيي خيالًا مثل لمحة بارقِ
وقد آذنتْ نفسي بتقويض رحلها … وأسرعَ في سوقي إلى الموت سائقي
وإني وإن أوغلتُ أو سرتُ هاربًا … من الموت في الآفاق فالموتُ لاحقي
***
-وقال أحمد بن الحسين بن المعتمد على الله بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد، أبو سيعد -سكن ديار مصر، وحدَّث بالإسكندرية سنة تسع وستين وربع مئة، وروى عنه أبو عبدالله الحميدي، وأبو الحسن علي بن المشرف الأنماطي، وكان شاعرًا -:
مالكُ ‌العالمين ضامنُ رزقي … فلماذا أملّك الناس رقي؟!
قد قضى لي بما عليّ وما لي … خالقي جلَّ ذكرُه قبل خلقي
صاحبُ البذل والندى في يساري … ورفيقي في عُسرتي حسنُ رفقي
وكما لا يفوتُ رزقي عجزي … فكذا لا يجرُّ حذقي رزقي
***
-وقال الشاعر محمد بن أحمد بن عطية من قصيدة:
عليَّ إدراك ما حاولتُهُ فإذا … حُرمتُ ما رمتُ بعد السعي لم ألمِ
ما ذنبُ من تعكس الأقدار مقصده … وعكسُ مقصده من أعظم النقمِ
قال الصفدي: "شعر متوسط، وقوله: "عليّ إدراك ما حاولته" غير مستقيم؛ فإن الإنسان ما عليه إلا الطلب والسعي لا غير، والإدراك على مقدور الله تعالى له، كما قال القائل:
وعليَّ ‌أنْ ‌أسعى وليـ … س عليَّ إدراكُ النجاح
وقول الآخر:
وما عليَّ إذا ما لم أنل غرضي … إذا رميتُ وسهمي فيه تسديدُ
وقول الآخر:
وعليَّ أن أشكو الهوى … وعليكِ أن لا تسمعي
وهذا مشهورٌ متداولٌ، وعليه العملُ في البحث، والشاعر نفسُه ناقضَ كلامه بآخره في البيت" .
***
-وقال محمد بن يسير الحميري البصري:
إنّ الأمور إذا اشتدتْ مسالكها … فالصبر يفتح منها كلّ ما ارتتجا
لا تيأسنّ وإنْ ‌طالتْ ‌مطالبة … إذا استعنتَ بصبر أنْ ترى فرجا
أخلقْ بذي الصبر أن يحظى بحاجته … ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
لا يمنعنك يأسٌ من مطالبة … فضيقُ السّبل يومًا ربما انتهجا
***
-وقال تقي الدين السبكي: نظمتُ بيتًا مفردًا من ثمان عشرة سنة، وزدتُّ عليه الآن في هذه السنة (747):
لعمرك إنّ لي نفسًا تسامى … إلى ما لم ينل دارا بن دارا
فمِنْ هذا أرى الدنيا ‌هباء … ولا أرضى سوى الفردوس دارا
قال الصفدي: فأعجباني وقلتُ في مادتهما دون مدتهما إلا أنَّ بيتيه أحسنُ وأصنعُ من قولي:
لعمرك إنّ للباقي التفاتي … وما لي نحو ما يفنى طريقه
أرى الدنيا وما فيها مجازًا … وما عندي سوى الأخرى حقيقه
***


الصبر. الأمل. الثقة بالله.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع