مدونة سيد محمد أحمد عيسى مصطفى أحمذي


الفتوى في النوازل الشروط والضوابط 1

سيد محمد أحمد عيسى مصطفى أحمذي | Sidi Mohamed Ahmed Issa Moustapha Ahhmedheye


09/10/2020 القراءات: 3389  


يتألف هذا المركب من ثلاث كلمات يحتاج البحث فيها إلى ثلاثة محاور هي: الفتوى والنازلة والشرط المحور الأول الفتوى: من المعلوم أن الفتوى تبليغ عن الله دينَه، وإيصال حكم الله إلى عباده، وقد فصل العلماء في شروطها تفصيلا كثيرا، وبينوا خطرها تبيينا شافيا. ويكفي الفتوى شرفا أن الله قال: "يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة"، "يستفتونك عن النساء قل الله يفتيكم فيهن". فالصحابة استفتوا النبي صلى الله عليه وسلم في أمور كثيرة، وسألوه عن نوازل متعددة، والله تعالى أفتاهم في هذه الأمور بعد استفتائهم للنبي صلى الله عليه وسلم، فسمى جواب الاستفتاء فتوى، وفي مواضع أخرى لم يسم جواب السؤال باسم، وإنما أجاب عنه فقط، قال تعالى: "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج"، و"يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما"، و"يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير"... إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة. والفتوى لها أحكام لا بد من تصورها قبل الدخول في تفاصيل ما نحن بصدده. فمن هذه الشروط والأحكام: 1. أن إجابة المستفتي (فردا كان أو جماعة) عن فتواه التي نزلت، واجب على المفتي. 2. أن النظر في الأدلة والوقائع والأحوال واجب قبل الإفتاء، وذلك كالنظر في حال المستفتي، وحال النازلة، وما فيها من ضرورة وما يقتضي المقام من تيسير وتخفيف. 3. ليس حكم الله في الأمر جليا في كل نازلة، ولو كان منصوصا في القرآن والسنة، إذ هناك قواعد تحكم الإفتاء مركبة من الدليل، والسياق الحالي للمستفتي، ومقصد كل من الشارع والمكلف. وكمثال على ذلك، لو سئل مفت عن حكم أكل الميتة، فأجاب بالحرمة، فقد وجاب بوجه من الأوجه ربما لو استفصل لبان له أن المقام قد لا يناسبه ذلك الوجه، فلو كان السائل مثلا مسافرا في الصحراء، وقد انقطعت به السبل، ولم يجد مما يسد به الرمق إلا الميتة، فالحكم هنا مختلف. لذلك فالمفتي أجاب بوجه، ولو فصل لكان ذلك أدعى، وقد يكون أيضا التفصيل غير مناسب حسب حال المستفتي بل إذا تصور المفتي النازلة تمام التصور، واستوعبها تمام الاستيعاب قد يقتصر على وجه الفتوى في هذه النازلة. وهذا ما يدفع كثيرا من دارسي النوازل إلى مزلة الأقدام، بحيث يأخذون الأحكام والقواعد من فتاوى المفتين المنقولة مجردة عن السياقات التاريخية للفتوى، وبغض النظر كذلك عن الدليل الشرعي الذي اعتمد عليه المفتي. ويكفي هنا أن نختم بما يروى عن ابن عباس من أنه أفتى مرة بأنه لا توبة لقاتل عمدا، ومرة أخرى بأن له توبة، وعلل ذلك بأنه استقرأ من وجه من أفتاه بأن لا توبة له نية القتل، واستقرأ من وجه الثاني انكسار الجاني، فأفتى بحسب الحال. 4. ومن يتعمق في دراسة فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم وتعليمه لأصحابه يدرك تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والحال، تغيرا كبيرا، فيقول لأحدهم: لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل، ولآخر لا ينوي أن يزيد على الفرائض: أفلح إن صدق. ويقول لأبي بكر لما ذكر خطورة جر الثوب: "إنك لا تفعله خيلاء". وينهى عن الحرير ويغلظ في ذلك، ثم يأذن للزبير وابن عوف في لبسه لحكة كانت بهما. فكل هذا يدل على أن الفتوى تتغير بتغير الحال.


الفتوى، النوازل، الفقه، الشروط، الضوابط


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع