عادل الغرياني


الأربعين الرمضانية_ رمضان في السنة

عادل غرياني رحيم | Adel Gheryani Rohayim


26/03/2022 القراءات: 2647  


قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:“الصِيَامُ جُنَّةٌ، فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ، وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِي صَائِمٌ مَرَتَيْنِ، وَالَذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّه تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا”رواه البخاري

شرح الحديث
قَالَ الإمَامُ ابن حجر في فتح الباري:

قوله: (الصيام جنة) والجَنَّة بضم الجيم الوقاية والستر.

وصاحب ” النهاية “قال: معنى كونه جنة أي يقي صاحبه مَا يؤذيه من الشهوات.

وقَالَ القرطبي: جنة أي سترة، يعني بحسب مشروعيته، فينبغي للصائم أن يصونه مما يفسده وينقص ثوابه، ويصح أن يُراد أنه سُترة بحسب فائدته وهو إضعاف شهوات النفس، ويصح أن يُراد أنه سُترة بحسب مَا يحصل من الثواب وتضعيف الحسنات.

وقَالَ عياض في ” الإكمال “: معناه سترة من الآثام أو من النَّار أو من جميع ذلك.

وقَالَ الإمَامُ ابن حجر:

وقوله: (فلا يرفث) أي الصائم، كذا وقع مختصرا، وفي الموطأ ” الصيام جنة، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث الخ ” ويرفث بالضم والكسر ويجوز في ماضيه التثليث، والمراد بالرفث هنا وهو بفتح الراء والفاء ثم المثلثة الكلام الفاحش، وهو يُطلَق على هذا وعلى الجماع وعلى مقدماته وعلى ذكره مع النساء أو مطلقا، ويحتمل أن يكون لما هو أعم منها.

وقوله: (ولا يجهل) أي لا يفعل شيئا من أفعال أهل الجهل كالصياح والسفه ونحو ذلك.

وقَالَ القرطبي: لا يُفهَم من هذا أن غير الصَّوْم يُباح فيه مَا ذُكِر، وإنما المراد أن المنع من ذلك يتأكد بالصوم.

وقَالَ الإمَامُ ابن حجر:

عن قوله: (وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين ) فقد اتفقت الروايات كلها على أنه يقول ” إني صائم ” فمنهم من ذكرها مرتين ومنهم من اقتصر على واحدة.

ويقول ابن حجر:

إن كان المراد بقوله ” قاتله ” شاتمه لأن القتل يُطلَق على اللعن، واللعن من جملة السب، فالمراد من الحديث أنه لا يعامله بمثل عمله بل يقتصر على قوله ” إني صائم “.

واختُلِف في المراد بقوله ” فليقل إني صائم ” هل يخاطب بها الذي يكلمه بذلك أو يقولها في نفسه ؟ وبالثاني جزم المتولي ونقله الرافعي عن الأئمة، ورجح النووي الأوَّل في ” الأذكار ” وقَالَ في ” شرح المهذب ” كل منهما حسن، والقول باللسان أقوى ولو جمعهما لكان حسنا.

وأما تكرير قوله ” إني صائم ” فليتأكد الانزجار منه أو ممن يخاطبه بذلك.

ونقل الزركشي: إن المراد بقوله ” فليقل إني صائم مرتين ” يقوله مرة بقلبه ومرة بلسانه، فيستفيد بقوله بقلبه كف لسانه عن خصمه وبقوله بلسانه كف خصمه عنه.

وقَالَ الإمَامُ ابن حجر:

فائدة قوله ” إني صائم ” أنه يمكن أن يكف عنه بذلك، فإِنْ أصر دفعه بالأخف فالأخف كالصائل، هذا فيمن يروم مقاتلته حقيقة، فإِنْ كان المراد بقوله ” قاتله ” شاتمه فالمراد من الحديث أنه لا يعامله بمثل عمله، بل يقتصر على قوله إني صائم.

وقَالَ الإمَامُ ابن حجر:

قوله: (والذي نفسي بيده) أقسم على ذلك تأكيدا.

وقوله: (لخلوف) المراد به تغير رائحة فم الصائم بسبب الصيام.

وقَالَ الإمَامُ ابن حجر:

قوله: (يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) هكذا وقع هنا، ووقع في الموطأ ” وإنما يذر شهوته الخ ” ولم يصرح بنسبته إلى الله للعلم به وعدم الإشكال فيه.

وقَالَ الإمَامُ ابن حجر:

والجهة التي بها يستحق الصائم ذلك هي الإخلاص الخاص به، فلو كان ترك المذكورات لغرض آخر كالتخمة لا يحصل للصائم الفضل المذكور، لكن المدار في هذه الأشياء على الداعي القوي الذي يدور معه الفعل وجودا وعدما، ولا شك أن من لم يعرض في خاطره شهوة شيء من الأشياء طول نهاره إلى أن أفطر ليس هو في الفضل كمن عرض له ذلك فجاهد نفسه في تركه، والمراد بالشهوة في الحديث شهوة الجماع لعطفها على الطعام والشراب، ويحتمل أن يكون من العام بعد الخاص.

ووقع في رواية الموطأ بتقديم الشهوة عليها فيكون من الخاص بعد العام.

وقَالَ الإمَامُ ابن حجر في فتح الباري ( مُختَصَرَاً ):

قوله: (الصيام لي وأنا أجزي به) أي سبب كونه لي أنه يترك شهوته لأجلي.

ولقد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى ” الصيام لي وأنا أجزي به ” مع أن الأعمال كلها له وهو الذي يجزي بها على أقوالٍ:

منها أن الصَّوْم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره، فأعمال البر كلها لله، وهو الذي يجزي بها، فنرى والله أعلم أنه إنما خص الصيام لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله وإنما هو شيء في القلب.

ومنها أن المراد بقوله ” وأنا أجزي به ” أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته، وأما غيره من العبادات فقد اطَّلع عليها بعض الناس.

وقَالَ القرطبي: معناه أن الأعمال قد كُشِفَت مقادير ثوابها للناس، وأنها تُضَاعَف من عشرة إلى سبعمائة إلى مَا شاء الله، إلا الصيام فإِنَّ الله يُثِيبُ عليه بغير تقدير.

ومنها معنى قوله: ” الصَّوْم لي ” أي أنه أحب العبادات إلي والمُقَدَّم عندي.

وقَالَ القرطبي: معناه أن أعمال العباد مناسبة لأحوالهم إلا الصيام فإنه مناسب لصفة من صفات الحق، كأنه يقول إن الصائم يَتَقَرَّب إليَّ بأمرٍ هو مُتَعَلِق بصفة من صفاتي.

ومنها: إن سبب الإضافة إلى الله أن الصيام لم يُعبَد به غير الله، بخلاف الصلاة والصدقة والطواف ونحو ذلك.

ومنها: أن جميع العبادات تُوَفَّى منها مظالم العباد إلا الصيام.

وعن قوله: ( والحسنة بعشر أمثالها.) فالمعنى أن الحسنات يُضاعَف جزاؤها، وثواب الصَّوْم لا يُقَدِّر قَدْرَهُ ولا يُحصِيه إلا الله تعالى.


رمضان _الأربعين _السنة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


حديث قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:“الصِيَام جُنَّةٌ، وهو حِصْنٌ من حصونِ المؤمِن، وكلُ عملٍ لصاحبهِ إلا الصِيام، يقولُ الله: الصِيامُ لي، وأنا أجزيِ بهِ” رواه الطبراني وقَالَ الألباني: حسن (صحيح الجامع الصغير).(صحيح الجامع: 3881). شرح الحديث قَالَ الإمَامُ المناوي في فيض القدير: ( الصيام جنة وهو حصن من حصون المؤمن وكل عمل لصاحبه إلا الصيام يقول الله الصيام لي ) أي هو خالصٌ لي، لا يطَلِع عليه غيري ( وأنا أجزي به ) صاحبه جزاءاً كثيراً، وأتولى الجزاء عليه بنفسي، فلا أكِله إلى مَلَكٍ مُقَرَّب ولا غيره لأنه سرٌ بيني وبين عبدي، لأنه لما كفَ نفسه عن شهواتها جُوزِيَ بتولِي الله سبحانه إحسانه.


وعن أبي عُبيدة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصومُ جُنَّة - أي: وقاية - ما لم يخرِقها)؛ رواه النسائي والطبراني في "الأوسط"، وزادَ: قيل بما يخرِقُها؟ قال: (بكذِبٍ أو غِيبَة).