مدونة عبد الله نوري


بين العبادة القاصرة والمتعدية؛ سؤال الأفضلية؟

عبد الله نوري | Nourri Abdallah


18/05/2020 القراءات: 9977  


والمقصود بالعبادة المتعدية هو ما يتعدَّى نفعها إلى غير صاحبها، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الناس، والصدقة، والسعي في قضاء حوائج الناس..؛ أما العبادة القاصرة فهي ما اقتصر نفعها على صاحبها كالصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن..
فقد رواه البخاري ومسلم أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "ذهب المُفطِرون اليوم بالأجر"
قال صاحب عمدة القاري شرح صحيح البخاري: "قوله: (ذهب المفطرون) بالأجر، أي: بالأجر الأكمل الوافر، لأن نفع صوم الصائمين قاصر على أنفسهم، وليس المراد نقص أجرهم، بل المراد أن المفطرين حصل لهم أجر عملهم ومثل أجر الصوام لتعاطيهم أشغالهم وأشغال الصوام".
فحتى لا يتوّهم مُتوِّهم من قولهم بأنّ الصوم عبادة قاصرة أنّه لا يتعدى نفعها لغير الصائم، فعلا نجد أنّ نفعها يعود بالدرجة الأولى على الصائم من ارتقاء للروح، وصفاء للنفس، واستعداد للخير والبذل، وإقبال على الطاعة، وضبط للتصرف.. وهذا كله لا يُعدِمها نفع الغير، فإن غير الصائم ينتفع بتقوى هذا الصائم وصلاحه، فيتأثر به من رآه ويسلك مسلكه في العبادة وحسن الخلق، وينتفع بدعائه وإخلاصه كما جاء في الحديث الذي أخرجه النسائي وصححه الألباني حيث يقول النبي الكريم –صلى الله عليه وسلم-: "إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم"، فصلاته ودعاؤه وإخلاصه على الرغم من أنها قاصرة إلا أنه تعدى نفعها للأمة، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى؛ فليس على كل حال العبادة المتعدية أفضل من القاصرة، وإنما هذا حال التَّعيُّن وتزاحم الأعمال على مورد واحد فتقدم المتعدية على القاصرة لتَقَدُّم المصلحة العامة على الخاصة، فإن أمكن الجمع فإنه لازم لا محالة وإلا فيُصار إلى الترجيح الذي أسلفنا.
فقد أخرج الترمذي وصححه الألباني أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أُنبِّئُكم بخيرِ أعمالِكم، وأزكاها عند مَليكِكم، وأرفعِها في درجاتِكم، وخيرٍ لكم من إنفاقِ الذَّهبِ والوَرِقِ، وخيرٍ لكم من أن تَلْقَوا عدوَّكم فتضرِبوا أعناقَهم، ويضرِبوا أعناقَكم؟" قالوا: بلى. قال: "ذكرُ اللهِ".
فظهر هنا أن ذكر الله وهو عبادة قاصرة أفضل -عند عدم التّعيُّن والمزاحمة- من الصدقة والجهاد في سبيل الله، ومعلوم أنها من أجل العبادات المتعدية.
وختاما أقول: بأنه ما من عبادة قاصرة إلا وهي متعدية بوجه من الوجوه، وما سميت قاصرة إلا للقصد الأصلي منها، وهكذا المتعدية، فلا يعني أن صاحبها لا يصله نفعها، بل يجد من نفعها ما يجد وإن كان القصد الأول منها نفع الغير.


العبادة القاصرة، العبادة المتعدية، المفاضلة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


ما أحوجنا الى العبادة المتعدية التي تعكس تفكير الانسان في اخيه الانسان، واهتمامه لامره، بعد ان اصبحت الفردانية هي السائدة، وغلب علينا مبدأ (أنا وبعدي الطوفان)، فلا أحد يأبه لاخيه، ولا لجاره، نتهافت على الدنيا، والمصالح وآخر ما نفكر فيه هو قضاء مصالح الناس وجبر خواطره،مع العلم ان جبر الخواطر الضل عبادة..


شكر الله لكم مروركم وإثراءكم أستاذتنا الفاضلة خضرة، منكم نستفيد يا أصحاب التربية والإرشاد الأسري، فأنتم أهل الواقع وأعلم به من غيركم.