مدونة د. سالم مبارك محمد حسن بن عبيدالله


القرآن الكريم والعربيَّة 1

د. سالم مبارك محمد حسن بن عبيدالله | D. Salem Mubarak mohammed ban obaidellah


03/06/2021 القراءات: 588  


قال الَّشافعيّ رحمه الله مستنكرًا على من زعم أنَّ في القُرَآن عربيًّا وأعجميًا: " ومِنْ جماعِ علمِ كتابِ الله: العلمُ بأنَّ جميعَ كتابِ اللهِ إنَّما نزلَ بلسان العربِ (الرسالة/ 40) ... وقد تكلَّم في العلم مَن لو أمسك عن بعض ما تكلَّم فيه منه لكان الإمساكُ أولى به، وأقربَ من السلامة له، إن شاء الله. فقال منهم قائل: إنَّ في القُرَآن عربيًّا وأعجميًا. (الرسالة/ 41) ، [ص:42] والقُرَآن يدلُّ على أنْ ليس من كتاب الله شيءٌ إلاَّ بلسان العرب. وَوَجَدَ قائلُ هذا القولِ مَن قَبِلَ ذلك منه تقليدًا له، وتَرْكًا للمسألة له عن حُجَّته، ومسألةِ غيره ممَّن خالفه. وبالتقليد أغفلَ من أغفلَ منهم، والله يغفر لنا ولهم. ولعلَّ مَنْ قال: إنَّ في القُرَآن غيرَ لسان العرب، وقُبِلَ ذلك منه ذَهَبَ إلى أنَّ مِن القُرَآن خاصًّا يَجهل بعضَه بعضُ العربِ. ولسانُ العرب: أوسعُ الأَلْسِنَةِ مذهبًا، وأكثرُها ألفاظًا، ولا نعلمه يُحيط بجميع علمه إنسانٌ غيرُ نبيٍّ، ولكنَّه لا يذهب منه شيءٌ على عامَّتها، حتَّى لا يكونَ موجودًا فيها مَنْ يعرفُه. والعلمُ به عندَ العربِ كالعلمِ بالسنَّة عندَ أهلِ الفقه، لا نعلمُ رجلاً جمعَ السننَ فلم يذهبْ منها عليه شيءٌ. [ص:43] فإذا جُمعَ علمُ عامَّةِ أهلِ العلم بها أتى على السنن، وإذا فُرّقَ عِلْمُ كلِّ واحدٍ منهم ذهب عليه الشيء منها، ثمَّ ما كان ذهب عليه منها موجودًا عند غيره. وهم في العلم طبقاتٌ: منهم الجامعُ لأكثره، وإنْ ذهب عليه بعضُه، ومنهم الجامعُ لأقلَّ ممَّا جمع غيرُه. وليس قليلُ ما ذهب من السنن على مَنْ جمع أكثرَها: دليلاً على أنْ يُطلب علمَه عند غيرِ طبقته من أهل العلم، بل يُطلبُ عن نظرائه ما ذهب عليه، حتَّى يُؤتى على جميعِ سننِ رسول الله - بأبي هو وأمِّي - فيتفرَّدُ جملةُ العلماءِ بجمعها، وهم درجاتٌ فيما وَعَوْا منها. [ص:44] وهكذا لسانُ العربِ عندَ خاصَّتها وعامَّتها، لا يذهبُ منه شيءٌ عليها، ولا يُطلبُ عندَ غيرِها، ولا يَعْلمُه إلاَّ مَنْ قَبِلَهُ عنها، ولا يَشرِكُها فيه إلاَّ مَن اتْبعَها في تعلُّمِه منها، ومَنْ قَبِلَهُ منها فهو مِن أهل لسانِها. وإنَّما صار غيرُهم من غير أهله بِتَرْكِهِ، فإذا صار إليه صار من أهله. وعِلْمُ أكثرِ اللسانِ فيْ أكثرِ العربِ أَعَمُّ مِن عِلْم أكثرِ السننِ في العلماء. فإنْ قال قائلٌ: فقد نَجِدُ من العجم مَن ينطقُ بالشيء من لسان العرب؟ فذلك يَحْتَمِلُ ما وصفتُ مِن تعلُّمِه منهم، فإن ْلم يكن ممَّن تَعلَّمَه منهم فلا يوجدُ ينطقُ إلاَّ بالقليل منه، ومَن نطق بقليلٍ منه، فهو تَبَعٌ للعرب فيه.
ولا نُنْكِرُ إذ كان اللفظُ قِيل تَعَلُّمًا، أو نُطِق (45) به موضوعًا: أنْ يوافقَ لسانُ العجمِ، أو بعضُها قليلاً من لسان العرب، كما يَتَفِقُ القليلُ من أَلْسِنَةِ العجمِ المتباينة ِفي أكثر ِكلامِها، مع تَنَائِيْ ديارِها، واختلافِ لسانِها، وبُعِد الأواصر بينها وبين من وافقتْ بعضُ لسانِه منها.


القرآن - العربيَّة - الشافعي - أوسعُ الأَلْسِنَةِ


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع