منهج التفكير الحر عند دعاة التنوير
د . هاشم علوي عبدالله مقيبل | Dr. Hashim alwi abdullah mogaibel
16/07/2023 القراءات: 789
منهجية التفكير الحر عند دعاة التنوير المظلم لا تبنى الا على نبذ المرجعية، ولذلك تجدهم لا ينظرون للماضي الا باعتباره فترة زمنية انقضت فلا محل لها في الزمن المعاصر!! وهذه النظرة لا يمكن قبولها تسليما لهم من غير قيود، فالماضي هو المؤسس للواقع المعاصر وللمستقبل اذا تمت الاستفادة منه بشكل صحيح، وعليه فنبذ الماضي تحت عباءة الرجعية هو نوع من التهكم المخل، الذي لا يسلكه التنويري الا لنبذ المرجعية وخصوصا اذا كانت من منطلق شرعي، في حين أنه بميزانه المختل يعظم دعاته التنويريين ويعظم أفكارهم ويمجد تاريخهم وتاريخ دولهم البائدة!!! بل لا يمكن له أن يحصل علمه التنويري الا بسلوك مسلك التاريخ ومعرفة تاريخ ظهوره وأساسياته النظرية.
ومن خلال ما سبق نجد دعوات التنويريين اليوم تنصب في النظر للشعائر الاسلامية وخصوصا الحج والعمرة باعتبار أنها طقوس غابرة وعادات بائدة لا محل لها اليوم في حياتنا، فالتمسك بها وبتفاصيلها الدقيقة من نحر ورمي للحجارة وحلق وطواف هو نوع من الهمجية .
وبالنسبة لنا فالشريعة الاسلامية جعلت التاريخ محلا للاعتبار، ومنهجا لمعرفة سنة الله في خلقه، وهو السبيل للمعرفة ووسيلة للادراك، وقد قيدت النظر في هذا المجال بما يحقق النفع لا بما يورث التكاسل او الانهيار النفسي، ومن جهة اخرى اظهرت الشريعة الاسلامية التاريخ باعتبار اخر وهو كونه زمنا لنشؤ الأحكام لوجود المشرع صلى الله عليه وآله وسلم فيه، وبالتالي برز لنا ارتباط الزمن بمعايير التكليف الواجبة والصالحة لكل زمان ومكان، وظهرت بعد ذلك مناسبات متنوعة فيها من التعظيم وسلوك الاتباع، فأصبح المعيار الزمني له دلالاته الموطدة للارتباط الشرعي.
وبالتالي فاستبعاد الاطار الزمني هو تجريد لحقيقة الفترة التي نشأت فيها تلك الأحكام وهذا يستلزم التنازل التلقائي عنها وهي بغية التنويري في طرحه.
فدعوات نبذ التاريخ هي تمهيد لنبذ المرجعية، ولا يمكن قبولها بعلاتها، وكان الأولى بهؤلاء عند انتقادهم أن يحددوا مظاهر الفشل ويميزوها حتى تنحصر وتتحدد معالم التصحيح، ونتيجة لهذا التعميم أصبح التنويري الظلامي ينبذ كل مظاهر التاريخ بل وماخلفه لنا حتى في الجانب العلمي تحت مبرر الرجعية، واصبح تعظيم الواقع بغيته ومراده ولو أدى ذلك لنسف تاريخ أمة كاملة.
إن هذا التعميم لم يأتي من فراغ، بل هو مقصود، وقد تمت تهيأت هذا الجيل المصطنع لتحطيم تاريخهم وعدم الاعتزاز به او حتى ذكره من قبيل الاستئناس، وما زالت دعوات الاقصاء والتهميش تتوسع في ظل بيئات علمية او اكادمية نزعة من على كاهلها مسؤولية الرقابة المعرفية، فأظهرت لنا نماذج متهرئة متجردة نابذة لمرجعيتها ولتاريخها متشبثة بواقع المادة وعلم التطبيق.
وختاما فإننا لا نتجاهل ضابط التجريد عند الطرح، بل نقول أن دراسة التاريخ ونقده ظاهرة علمية، ولكن يكون ذلك من منطلق معرفة الحقيقة، لا من باب حرق الماضي، اضافة الى أن تصحيح المسار عند ظهور بعض المخالفات تكون بالتحديد والتصحيح لا بالتعميم والنبذ الكلي لحاجة قد بيتت في أنفسهم، وما قمنا بهذا التوضيح إلا لأننا رأينا رائحة بعض التنويريين قد فاحت ووجب ازالتها من واقعنا المعاش والحمد لله اولا واخرا.
التنوير - التنوير الحر- منهج التفكير
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف