مدونة د.السر علي سعد محمد


تأصيل مفهوم الإعلام الجديد

د.السر علي سعد محمد | Dr. Elsir Ali Saad Mohamed


13/07/2019 القراءات: 5242  


يفتتن الباحثون باطلاق المصطلحات ذات الاجراس والسجع، ويتعجلون تفصيل المفردات على احداث اكثر ما توصف به انها فردية ، ومن ضمن هذه الحالات برز الى السطح مصطلح صحافة المواطن او صحافة التشاركية او الصحافة البديلة وصفا لما يؤديه المواطن من مشاركة في نقل ما يدور حولهم من احداث ومناسبات، متناسين الاركان التي تتكون منها الصحافة ووظائفها التي تستهدف بها المجتمع، اذ تعتبر التشاركية نتاجا لعدد من التزامنات في توزيع وادارة الحوار في شبكات الانترنت هذا ما ذهب اليه كل من (بومان و ويليز Bowman & Willis) في تعريفهما للتشاركية بمشاركة المواطنين، ولعب ادوار في جمع المعلومات وتحليلها وكتابة التقارير الصحفية.

لئن تريث الباحثون قليلا، واعملوا البصر في الممارسة، لاكتشفوا الكثير من التوصيفات التي قد تكون اقرب من صحافة المواطن والصحفي المواطن، فليس كل مواطن تزوّد بوسائل الاتصال - توفرها شركات الهواتف الذكية- التي تمكنه من نشر المعلومات ، او نقل الاحداث التي جعلته الظروف شاهدا عليها يكون صحفيا، ولا تصبح مدونته الشخصية صحيفة الكترونية، فما ينشره لا يتعدى معلومات يمثل فيها دور المصدر في العملية الاتصالية التقليدية ، وغالبا تفتقر ما ينشر الى وصفها بمحتوى صحفي مكتمل الاركان، بتوفير اجابات دقيقة عن تساؤلات الخبر الستة ، او المامه باشكال الخبر المعروفة .
اجتهادات هنا وهناك لرسم ملمح مميز لصحافة المواطن، وفقا لمحددات اشترطها باحثون، مثلا مارك ديوز Deuze, Mark يرى ضرورة ان يعي الصحفي المواطن شكل التغيرات التي طرأت على البنية الاعلامية، حتى يستوعب الطرق الجديدة في كيفية انتاج المحتوى الاعلامي وتسويقه، والمام بما يستجد في الشكل والمفهوم لكل وسيلة، فلكل وسيلة طريقة تختلف عن الاخرى في تشفير وفك الشفرات، وفقا لمحددات بنيوية تشكل في منتهاها خاتمة الرسالة الاعلامية .
اعتماد المدونون على ذات الادوات التي يستخدمها الصحافي في ممارسة مهنته او حرفته، واستغلال شبكة الانترنت وسيلة للنشر والتداول، تثير الرغبة في اعادة تعريف الممارسة والبعد بها عن الوصف الذي يضعها في خط موازٍ للصحافة التقليدية او خانة صحافة الانترنت، تأكيد حضور المتلقي "المواطن" في القضايا العامة واسهامه في نقل ما يشاهد من احداث، قد تجعل التفكير يتجه الى تفكيك ما يشارك من محتوى خبرا كان او شكل آخر من اشكال التحرير الصحفي اضافة الى المهارات التي يمتلكها الصحفي في الصحافة التقليدية ، والتي تمكنه من الاستقصاء والتحليل ورؤية ما وراء الخبر من رؤى مستترة، بالتأكيد المواطن العادي لا يستطيع سبر هذه الاغوار، وينقل الحدث كما راءه فقط، وهو الدور الذي يلعبه المصدر في تزويد المحرر الصحفي بالمعلومات مجردة، ويجتهد المحرر في معالجتها في القوالب التحريرية، و ربما لاكمال الخبر يضطر الاتصال بمصادر معلوماتية اخرى، او استدعاء التاريخ.
اعتقاد راسخ، ان الحيوات التي تمارس على شبكة الانترنت، ما هي الا تمثيل افتراضي للواقع الذي تعيشه المجتمعات المختلفة، كذا الحال بالنسبة للصحافة التي انتقلت في بداياتها الى الانترنت بتوفير نسخ من المطبوع الورقي على هيئة PDF قبل ان تنتقل الى ما هي عليه الآن كمؤسسات قائمة بذاتها، وإن اتاح بعضها –الصحف الالكترونية- من الفرص ما يمكن المواطن من جمع المعلومات وادراجها في حيّز تخصصه المؤسسات الصحفية لقرائها كنوع من التفاعل، ولكن هذا الاجراء يليه عملية تحريرية يقوم بها محترفون لاعادة تصنيف ما المعلومات التي يوفرها المواطنون والعمل على تحريرها وتلوينها بما لا يخرج من سياسة الصحيفة التحريرية، وهذا يبعد صفة الصحفي عن المواطن العادي.
يقفز الى السطح الممارسات الاخبارية التي تمارسها النساء في الاحياء السكنية او التجمعات الشبابية الذين يتخذون من الطرقات اندية للتجمعات في ظل ما يعانون من بطالة. هذه الفئات تعتبر من اكثر الناشطين في اخبار المجتمعات، فالنساء في مجتمعاتنا العربية تحديد يتناقلن الاخبار من فوق الاسوار مع الجارات، وقد يشتركن في اختلاق اخبار او تحوير الصحيح منها في غياب حراس البوابات الذين ينقحون ويصححون الاخبار، فتنتشر الشائعات ، وبذات الحجم يتداول الشباب الاخبار والمعلومات بصورة تثير الكثير من القضايا المجتمعية ولكن بمنظار يتفق والفراغ الذي يعيشون، وبظهور مواقع التواصل الاجتماعي كالمدونات وشبكات التواصل المعروفة، وما صحب ذلك من تطور في بنية الهواتف الذكية التي دمجت كل ادوات الانتاج الصحفي في جهاز بحجم كفة اليد، انتقلت المجتمعات الى هذه الاجهزة، وازداد المنتوج المعلوماتي، وبذات القدر ازدادت رقعة الانتشار، وطغى الواقع الافتراضي الجديد لتصبح ثقافة التدوين والتراسل سائدة حتى في اطار المجتمع الضيق، على الرغم من ضخامة المعلومات التي يضخها المجتمع الافتراضي الجديد الا ان الامر لا يرتقي بها صفة الصحفي، وذلك لاعتبارات كثيرة لو نظرت اليها "رودريغيز" ما تعجلت اطلاق المصطلح : صحافة المواطن"، الامر يستدعي دراسات عميقة في فلسفة الاعلام والممارسات المهنية، ودراسة اخلاقيات الصحافة التي تفرض على الصحفي من القيود ما يجعله محايدا في طرق وتناول الموضوعات.
يفترض ما نطرح اقرب توصيف لما تعارف على تسميته بصحافة المواطن ، ان ما يحدث في اطاره العام هو حالة تغيير هرموني احدثه التطور التقني في بنية الاعلام التقليدي نتج عنه ما يمكن توصيفه بالاعلام الهجين وتغيير في الجينات المعرّفة للاعلام اضافة الى تغيير المفاهيم المتصلة بالاعلام والذي نتجت عنه مفاهيم التشاركية في انتاج المحتوى وظهور نوع جديد من مصادر المعلومات لها المام بتوظيف وسائل التوثيق لتحقيق قدر من المصداقية فيما ينقلون من معلومات وتغطيات للاحداث التي تجعلهم المصدر الاول ، وذلك ادى الى تغيير واضح في نموذج الاتصال الاعلامي تبدلت ملامحه فاندمج المصدر والمرسل والمتلقي وذابت الرسالة في الوسيلة وما عاد مفهوم رجع الصدى كما كان في النموذج التقليدي للاتصال.
ويمكن الاشارة الى المدونات او شبكات التواصل الاخرى مثل تويتر وانستغرام او اسناب شات


الإعلام الجديد، المصطلح، المفهوم، التأصيل


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع