العدد الثالث عشر مقالات
وضعية حقوق الإنسان بالعالم تحت رحمة كورونا / مقالات
17/02/2022
د. ابراهيم بنفراج
بات العالم لأزيد من سنتين كاملتين تحت وطأة تداعيات فيروس كورونا المستجدّ (كوفيد 19)، وما تلاهما من اختلالات اقتصادية، اجتماعية، صحية و بنيوية عميقة ساهمت بشكل أو بآخر في تسجيل تراجعات ملموسة بخصوص إقرار و تنزيل مقتضيات الشرعة الدولية للحريات العامة و برغم حقوق الإنسان بأجيالها الثلاثة القديمة منها والجديدة (الحقوق السياسية والمدنية، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الحقوق البيئية والتضامنية). فواقع كورونا فرض على معظم دول العالم بما فيها الدول المتقدمة وكذا النامية على حدّ سواء الانكباب على حلحلة الوضع الصحي المواكب لهذا الوباء بشكل ارتجالي أكثر من مجابهتها لما آلت إليه المنظومة الحقوقية لمواطنيها من انزلاقات ومؤخذات خطيرة، حيث إنّ توجّسات الأرقام المرتفعة والمقلقة لمرضى وموتى كوفيد 19 من ناحية، و دوّامة البحث عن اللقاحات وسلك سبل الحصول عليها بشتّى الوسائل من ناحية ثانية أرهق حكومات العالم متناسية إرهاصات التراجعات المسجّلة على مستوى مسار تأمين الحقوق الأساسية والتي لا تقلّ أهمية عن حق الصحة كحق السكن، حق التشغيل، حق التعليم والتمدرس، الحق في التعبير، حق التجول، حق الاحتجاج...). كما أنّ واقع حال أطياف المنتظم الدولي قد عرفت خلال هذه الفترة الزمنية الحالكة تغييب الحسّ المهنيّ الحقوقي المتجسّد في تلاعبات تدبير التطبيب الاستعجالي وخدمات معالجة المصابين إلى جانب سوء التوزيع العادل لهذا الّلقاح من دول إلى أخرى (الدول المتقدمة في مجابهة للدول النامية)، إضافة إلى استحضار الوازع الماديّ الطبقيّ في العلاج واللقاح (الفقراء أمام منافسة الأغنياء) وبين أصنافهم الاجتماعية (الفئات الهشة كذوي الإعاقة والنساء والمسنون في تسابقهم مع الأسوياء)، وحسب توزيعاتهم الجغرافية والقارية (دول الجنوب في مواجهة دول الشمال). إنّ تبعات وباء كورونا تسائل المتبجّحين بفزّاعة الحقوق والحريات - أفرادا ومنظّمات - هل استطاعت دول المعمور وبخاصة تلك المتشذقة بزعامة تبنيها للحقوق والحريات العامة تلبية وإشباع الحاجيات اليومية لأفرادها المتمثّلة في إقرار عدالة اجتماعية محايدة ونزيهة تستحضر الجانب الإنساني النبيل وتستلهم الفلسفة الوجدانية السمحة لروح النصوص القانونية للإعلانات العالمية لحقوق الإنسان (مبدأ تكافؤ الفرص، مبدأ المساواة في الاستفادة من الحقوق، مبدأ الشمولية) أكثر من استحضارها لمناورات أخرى خفيّة، مضمرة وغير معلن عنها (نظرية المؤامرات الاقتصادية، الإغراءات المالية، العلاقات الديبلوماسية، الكولسة السياسية، الوساطات الفوقية، التحالفات الجيو استراتيجية، التجاذبات العلائقية...). إّنّ فيروس كورنا قد عرّى بحقّ على زيف الشعارات الأممية التي تتغنّى بحقوق الإنسان، ويكفي التذكير بحالات الحظر وظروف الطوارئ التي لازمت الحياة اليومية لجلّ الشعوب بعيد اعتبار كوفيد 19 وباء عالميا، ممّا خندق تفعيل معظم الحريات والحقوق الأساسية المعتادة كحرية التجول والتنقل نموذجا. وحاصل القول فواقع حقوق الإنسان في تلازمه التاّمّ مع الحريات المكفولة قانونيا أصبحت تتأرجح بين مطرقة التنزيل الفعليّ البطيء وجائحة كورونا التي أربكت على حين غفلة من الجميع حسابات علماء ومنظري علوم إدارة الأزمات بالعالم.
العدد الثالث عشر كورونا، حقوق الانسانمواضيع ذات صلة