مراحل تدوين التراث اللغوى والأدبى العربى
سعاد جابر محمود حسن | SUAD Gaber Mohamed
13/10/2021 القراءات: 5089
مر جمع التراث اللغوى العربى وتدوينه بالمراحل التالية:
أ- الجمع من البادية والتدوين:
نزل علماء اللغة إلى البادية يتوثقون رواية اللغة عن الأعراب الذي لم يلن لسانهم بعد، بعد أن اختلط كثير منهم بالحضر فَلاَنَ لسانُها. تم هذا الجمع أولاً بطريقة المشافهة والحفظ، ودون منهج معين فى ترتيب المادة المجموعة أو تبويبها، ثم أكثر العلماء من النزول إلى البادية ودونوا ما كانوا يسمعونه حتى أنهم كانوا ينفقون الأقلام وقنينات الحبر فى تسجيل ما يسمعون، وبعد ذلك اتجه أهل اللغة إلى التبويب والتصنيف والتقسيم ورد النظير إلى النظير كل بطريقته الخاصة التي رأها، فمنهم من صنف المادة اللغوية بحسب الموضوعات مثل النبات والشجر والابل والخيل والسلاح والأنواء وأخرجها فى شكل رسائل منفصلة، ومنهم من اتجه إلى الشعر الجاهلي أو الاسلامي يدونه ويرويه ويشرح مفرداته الصعبة، ومنهم من اهتم بتسجيل بعض الظواهر الخاصة التى لاحظها فى بعض القبائل. وعندما بدأ تدوين السير والمغازى كان لعروة بن الزبير فضل في العناية بالتاريخ القديم والمغازى وصولًا إلى ابن هشام، و اكتمل تدوين المعارف العربية الاسلامية في النصف الأول من القرن الثالث الهجرى، واستمرت حركة التدوين في العصر الأموى الثانى كما نشطت حركة الترجمة.( هادى، مال الله2012). وقد استغرقت حركة التأليف والكتابة من القرن الثانى الهجرى ( الثامن الميلادى) إلى نهاية القرن التاسع الهجرى( الخامس عشر الميلادى).
بدأ هذا الجمع اللغوى بصورة علمية فى النصف الأول من القرن الثاني للهجرة، وأثمر هذا العمل ببداية طيبة لصناعة المعجم على يد الخليل بن احمد الفراهيدى (100-175هـ) الذى أعمل فكره ليضع كتابًا يستقصي فيه ألفاظ اللغة على أساس صوتي أسماه "كتاب العين"، فكان أول معجم عربي، ثم تلاه الجمهرة لابن دريد (ت321هـ) الذى اعتمد فيه على الترتيب الألفبائى مع الأخذ بنظام الأبنية وتقليبات المادة اللغوية، وديوان الأدب للفارابى (350-370هـ) وذهب فيه إلى الاعتماد في الترتيب على الحرف الأخير من الكلمة مع تقسيم كل باب منها إلى فصول وفقا للحرف الأول من الكلمة، والبارع لأبى على القالي (356هـ) وبعد القرن الرابع كان المخصص والمحكم والمحيط الأعظم لابن سيدة (ت 458هـ)، والعباب للصاغانى (577 هـ) ولسان العرب لابن منظور (ت 711هـ)، والقاموس المحيط للفيروز أبادى (817هـ) وتاج العروس للزبيدى (ت 1205هـ) إلى غير ذلك من المعاجم التى تناولت موضوعات بعينها كألفاظ القرآن الكريم، وألفاظ الحديث ومجاز القرآن، وتفسير غريب القرآن، وغريب الحديث، والألفاظ الدخيلة، والألفاظ الكتابية، وكذلك كُتب الأبنية التى تناولت موضوعات صرفية .
كما اهتمت بعض المؤلفات بالتثقيف اللغوى، ولحن العامة، مثل ما تلحن فيه العامة للكسائى (ت 189هـ)، وإصلاح المنطق لابن السكيت (ت 44هـ)، وأدب الكاتب لابن قيتة (ت 276 هـ) ودرة الغواص للحريرى (ت 516هـ)، وتقويم اللسان لابن الجوزي (ت 579هـ)، وغير ذلك من هذا النوع من التأليف الذى حاول فيه مؤلفوه تثقيف العوام ودرء اللحن عنهم.
ب-الطباعة والنشر الورقى:
تمت منذ أواخر القرن السابع الهجرى حركةُ ضخمة لإعادة تدوين التراث العربى ونشره فى الفروع كافةً، وامتدت لقرون أربعة تالية؛ خشية اندثار هذا التراث بعد سقوط بغداد سنة 656 هجرية وتدمير الممالك والمدائن الشرقية على يد المغول، وحملت لواءها القاهرة ودمشق.
كما كان للتراث العربى نصيبٌ وافر من عمليات النشر الأوروبى خاصةً مع نشاط المجامع الاستشراقية، ومع الجهود المبكِّرة للمستشرقين الأوروبيين الذين عكفوا على نصوص التراث العربى واستخرجوها من خزائن المخطوطات إلى ثوب المطبوع، بعدما أجروْا أقلامهم عليها تصويباً وتدقيقاً وتحليةً بالهوامش الشارحة، وكان لمطبعة بولاق الرائدة دورٌ كبيرٌ فى تنشيط حركة النشر التراثى فى مصر، وهى الحركة التى ما لبثت أن اتسعت مع انتشار المطابع العربية فى مصر والشام . (زيدان: 2002،2011) (زلط وعطا،2007)، (الملاح،2011).
ج-النشر الالكترونى:
وقد ساعدت الجامعات العربية والمؤسسات الثقافية ومراكز البحوث فى تنشيط عمليات النشر التراثى المعاصر سواء فى شكل المطبوع أو الأشكال غير التقليدية للنشر مثل الكتاب المسموع. ففى مطلع التسعينيات بدأ المجمع الثقافى بأبو ظبى تجربةَ نشرٍ تراثىٍّ رائدة، تم خلالها إصدار ما يقرب من ثمانين كتاباً – أغلبها تراثى- على أشرطة كاسيت أتاحت الاستماع إلى هذه النصوص، وبالتالى مكَّنت المستمع إليها من ضبط حركات الكلمات على نحو جيد، لاسيما فيما يتعلَّق بالنصوص الشعرية، وتأتى أهمية هذا النوع من النشر، ليس فقط من جهة الضبط اللغوى للألفاظ – فى زمن تراجعت فيه اللغةُ وانسلخت من الألسنة – وإنما أيضاً من حيث التكلفة المنخفضة للإنتاج، وبالتالى القدرة على الانتشار الواسع للكتب المسموعة التى هى أقل تكلفةً بمقدار الثُّلث عن الكتاب المطبوع، وأسهل إنتاجاً وتوزيعاً بمقدار كبير عن مثيلتها المطبوعة .
فى العقد الأخير من القرن العشرين، حدثت فى مجال المعلومات طفرةٌ كبيرة يمكن تسميتها : ثورة الوسائط المتعدِّدة . وفيها اقترنت الصورةُ بالصوتِ بالنَّصِّ المطبوع فى منتج واحدٍ، وتم إنتاج برامج تراثية على أسطوانات مدمجة أتاحت نشرَ نصوصٍ تراثية عديدة. كما ظهرت مجموعة فهارس إلكترونية للمجموعات الخطية بخطوة رائدة من مركز معلومات مجلس الوزراء المصرى نتج عنها الفهرسُ الإلكترونى لدار الكتب المصرية، ولمجموعة المخطوطات العربية بجامعة برنستون الأمريكية، ودخل معهد المخطوطات فى هذا المضمار وتمَّ إعداد قاعدة بيانات إلكترونية لمحتوياته الميكروفيلمية.
وفى مكتبة الإسكندرية وتحقيقاً لأحد أهم الأهداف التى أُنشئت المكتبة من أجلها تم الربط بين القديم والجديد بإدخال العملية التراثية فى الأفق الإلكترونى المعاصر وذلك عبر مشروعات عدَّةٍ للنشر الإلكترونى من أهمها: المكتبة الرقمية للمخطوطات النادرة، والمتصفِّح التخيُّلى والفهارس الإلكترونية
التراث اللغوى العربى- النشر الالكترونى
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع