نموذج الجامعة المنتجة في مواجهة تحدي التمويل لدى الجامعات الحكومية
أ.د. نغم حسين نعمة | nagham Hussein alnama
13/06/2021 القراءات: 3648
يعتبر قطاع التعليم العالي في اي بلد هو المحرك الاساسي للاقتصاد والتنمية من خلال تخريج كوادر بشرية مؤهلة قادرة على تحسين الانتاج وخلق فرص عمل جديدة ، ولأهمية هذا القطاع يجب على الحكومة الاهتمام بمستوى التعليم العالي والارتقاء به ، اذ تفيد مؤشرات التصنيف العالمي بأنه لا يوجد أي جامعة عراقية من ضمن أفضل (500) جامعة في العالم ، وأكبر مشكله تواجه قطاع التعليم العالي في العراق هي ضعف التمويل والعجز الكبير في ميزانياتها كونها تعتمد بالدرجة الاولى على الرسوم الجامعية والدعم الحكومي .
ولكي تتمكن الجامعات العراقية من الموازنة بين ايراداتها ونفقاتها السنوية وبالتالي عدم اعتمادها على الدعم الحكومي كان لا بد من أن تتحول الجامعة إلى جامعة منتجة قادرة على توفير موارد مالية إضافية لدعم أنشطتها المختلفة في مجالات البحث والإنتاج العلميين ، كإقامة مشاريع متعددة المجالات بالتعاون مع القطاع الخاص لدعم الأبحاث والابتكارات العلميّة وتحويلها إلى استثمارات منتجة ، وكذلك تبني مشاريع اقتصادية تعود بالنفع على المجتمع .
وقد قسم المختصون الوظائف الجامعية الى ثلاث هي البحث والتدريس وخدمة المجتمع ، ويجب ان لا تعطى الافضلية لأي منها على حساب الاخرى ، بل يجب الاهتمام بتلك الوظائف على قدر المساواة ، بينما ما تشهده جامعاتنا هو تغليب وظيفة التدريس على الوظائف الاخرى ، بحيث تكون مصنعا للشهادات فقط ، بل يجب ان تمتد وتتوسع في الشراكة مع القطاع الخاص وتسويق البرامج والابحاث التي تنتجها في السوق المحلي .
وقد أعتمد نموذج الجامعة المنتجة كإحدى سياسات تجديد مصادر التمويل في كثير من الجامعات العالمية ذات السمعة المرموقة ومنها جامعتي «اكسفورد» و «يورك» البريطانية التي استطاعت زيادة مواردهما المالية ، وتخفيض اعتمادهما على التمويل الحكومي ، ومن الآليات التي اتبعتها جامعة « اكسفورد» تأجير المنشآت الجامعية أثناء عطلات نهاية الأسبوع والعطلات السنوية، وبيع وجبات غذائية ذات جودة عالية للمواطنين، والسماح بإجراء الأنشطة الاجتماعية في ساحات الجامعة ، وأيضًا استغلال الطرقات وساحات الاستقبال في الترويج الإعلاني للمحلات والشركات، كل ذلك مقابل رسوم مالية زادت من دخل الجامعة.
وهناك اليات كثيرة تستطيع الجامعة من خلالها زيادة مواردها المالية كالدورات التدريبية ، الشراكة مع القطاع الخاص ، تشجيع التبرعات من الاشخاص القادرين لصالح صندوق الطالب الفقير او تمويل برامج الجامعة وابحاثها العالمية ، او من خلال ما يسمى بوصايا الإرث حيث يترك بعض الأشخاص لجامعتهم الأم وصية إرث بهدف مساعدة الجامعة على إتمام رسالتها، وقد تشتمل الوصية على أموال أو أسهم أو أملاك عقارية وكذلك تقديم خدمات الطباعة والنشر وحقوق التأليف ورسوم موقف السيارات والرسوم الصحية وغيرها.
تتسارع إيقاعات العالم اليوم ومتغيراته، ولمواكبة تلك الإيقاعات والإبداعات، يتحتم علينا أن نمتلك القدرة على الإسهام، إنتاجا وإبداعا، وذلك لا يتم إلا بالعلم والتعليم. فالتعليم هو الركيزة الأساسية للتنمية الشاملة بصفة عامة، والتنمية البشرية بصفة خاصة، ولا تقتصر أهميته على كونه يؤدي إلى تحسين نوعية عنصر العمل وزيادة إنتاجيته وإنما هو أيضًا حق من حقوق الإنسان، وغاية في ذاته ويحتاج إليه البشر لتمكينهم من ممارسة أدوارهم الإنسانية المختلفة على نحو أفضل، كما أن أفضل الاستثمارات يتمثل في الاستثمار برأس المال البشري الذي يعتبر من متطلبات الاستدامة في التنمية البشرية.
ولا يخفى على أحد أن مؤسسات التعليم العالي ذات متطلبات وحاجات مستمرة للموارد المختلفة اللازمة لتطوير التعليم فيها، وهي بذلك تواجه تحديات وصعوبات متفاوتة في توفير الاعتمادات المالية التي يتطلبها تشغيل تلك المؤسسات والتوسع بها وخصوصا في الدول النامية حيث تكون الدولة هي المصدر الرئيسي لتمويل التعليم، لذا كان لابد لهذه المؤسسات أن تتوجه نحو زيادة إنتاجيتها وتهيئة فرص النمو الاقتصادي بها، وهذا لن يتم إلا من خلال الشراكة في مشاريع بحثية إنتاجية، والمشاركة في التطوير التقني. وقد شهدت مؤسسات التعليم العالي مؤخرا تحولاً ملحوظاً في أدوارها التعليمية والبحثية استجابة لبعض المتغيرات الاقتصادية العالمية التي جعلتها مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالاندماج في آليات السوق، مما زاد من أعبائها المالية. فالجامعات بشكل عام والحكومية منها على وجه الخصوص تعاني من الأزمات المالية التي يصعب حلها، والتي تلقي بظلالها على المسيرة التعليمية في تلك الجامعات. حيث أن الاعتمادات المالية الحكومية المتاحة تتجه نحو النقص وذلك بالمقارنة بحجم الطلب عليها. ويعزى ذلك إلى النمو السكاني السريع حيث يتزايد عدد الطلاب في سن التعليم العام، ومن ثم يرتفع عدد الراغبين في الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي. فضلًا عن ارتفاع تكلفة الطالب في المرحلة الجامعية مقارنة بتكلفة أي مرحلة أخرى. وإن من أبرز البدائل المتاحة أمام كثير من مؤسسات التعليم العالي ما يطلق عليه -الجامعة المنتجة- Productive University و هي الجامعة التي تسعى لإبداع الطرق لخفض التكاليف وزيادة الإنتاجية وخلق مصادر تمويلية ذاتية غير تقليدية عن طريق تسويق منتجاتها، ليس بهدف الربح كما في القطاع الخاص، وإنما لتغطية نفقاتها وتكاليف التطوير المستمر وتحسين جودة التعليم والمساهمة في التنمية المجتمعية الشاملة.
ويمكن تعريف الجامعة المنتجة بأنها الجامعة المتفاعلة مع المجتمع من خلال مجموعة من النشاطات المضافة لدورها الأساسي، تحقق من خلالها موارد إضافية لها تعزز من موازنتها وتعطيها المرونة الكافية لتطوير بعض نشاطاتها وخدماتها التعليمية، أو هي الجامعة التي تحقق وظائف التعلم ، والبحث العلمي والخدمة العامة والتي تتكامل فيها هذه الوظائف لتحقيق بعض الموارد المالية الإضافية للجامعة، من خلال أساليب ووسائل متعددة منها التعليم الممول ذاتياً والتعليم المستمر والاستشارات والبحوث التعاقدية والأنشطة الإنتاجية.
الجامعة المنتجة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة