ا.د/ سعاد جابر محمود


التراث اللغوى العربى وتدريس اللغة العربية

سعاد جابر محمود حسن | SUAD Gaber Mohamed


13/10/2021 القراءات: 3912  


إن الخبرة الحقيقية بشؤون تدريس اللغة العربية لا يمكن الوصول إليها إلا بالتعمق فى منجزات وعلوم اللسان العربي قديمه وحديثه؛ حيث يعد المعلم المتمكن من الفصحى المحب لها الوحيد القادر على ضمان إقبال الطلاب عليها في أثناء تعليمهم إياها، وتنمية ميولهم الايجابية نحوها والدفاع عنها والإيمان بمستقبلها، فمعلمو اللغة العربية قيّمون على توصيل تراث الأمة وتنميته وتطويره، مما يعين على الحفاظ على هوية الأمة الحضارية والثقافية.
وقد أكد نصيرات (2006، 61 ) أن معلم اللغة العربية يجب أن يمتلك المعرفة المعمقة باللغة العربية وآدابها وأن يكون متمكناً من نحو اللغة وصرفها وتاريخها الطويل، فضلاً عن التذوق البلاغي.
كما أوصت بحوث عديدة بضرورة تأهيل معلم اللغة العربية حتى يكون ممتلئا ضليعًا من الفصحى، عارفًا بأسرارها وخصائصها، لا يبغي عنها بديلاً في أثناء ممارسة مهنته التربوية داخل المؤسسة التعليمية، و نقل حب العربية إلى الطلاب من خلال اعتماد استراتيجية تعليم الفصحى بالفصحى، ناهيك عن إرشادهم إلى منابعها الصافية: القرآن الكريم، والشعر العربي المبين، والأحاديث النبوية الشريفة، والأمثال العربية المبينة.
ولا مناص لمن يريد أن يقف من القواعد موقف المدرك لما تستند إليه من مبادئ ومصادرات لا موقف المطبق تطبيقًا آليًا من التوسع فى المعارف النحوية ومعاشرة كتب التراث والبحث فيها عن مؤشرات التناسق بين المعطيات والأحكام .
وأوصى عصر (1999) بالإكثار من الدرس النحوى في كليات التربية من كتب التراث النحوى في أصولها والصبر على تدريسها لتكوين الألفة بها والسليقة فيها، كما تضمنت المعايير التى وضعت لاختيار معلم اللغة العربية : القدرة على التعامل مع التراث؛ حيث اعتبر أن من أهم ما يحتاج إليه المعلم الاتصال بالتراث ومصادر المعلومات ومعرفة التعامل معه, وإتقان استعماله وقراءته ويظهر في: قراءة الشعر، و معرفة كتب الآثار, ومصادر المعلومات، و أوصت مؤتمرات عديدة بضرورة قراءة التراث واعتماد منهجية تحفيظ المتون، والترغيب في ذلك عبر إجراء المنافسات والمباريات، ورصد الجوائز للفائزين، وغير ذلك من المحفزات..
أصل كلمة (التراث) في اللُّغة من مادة (ورث): الإِراثُ ما يخلفه الميت لورثته(المعجم الوسيط). تراث : ما ينتقل من عادات وتقاليد وعلوم وآداب وفنون ونحوها من جيل إلى جيل :التراث الإنساني، التراث الأدبي . (المعجم الرائد )
ادعى البعض أن التراث بمفهومه الحضارى الذى يتم استخدامه الآن لم يرد في الكتابات العربية والمعاجم إنما وردت بمعنى الإرث المادى( المقداد،2010 )، وترى الباحثة أن هذا الزعم غير صحيح بدليل قوله تعالى" والذين أورثوا الكتاب " سورة الشورى : ايه 14) فالكتاب في الآية يدل على أن كلمة تراث تعنى أيضا المنجزات العلمية والأدبية وكل ما من يمكن أن تحتويه الكتب من تعاليم وآداب وحكم وغيرها.
أما التراث العربي فيقصد به "كل ما كُتب باللغة العربية، وانتزع من روحها وتيارها قَدرا، بصرف النّظر عن جِنس كاتبه، أو دِينه، أو مذهبه؛ فإنَ الإسلام قد جَب هذا التقسيم وقَطعه في جميع الشعوب القديمة التي فتحها، وأشاع الإسلام لغة الدِين فيها، وهي اللغة العربية التي لوَّنت تلك الشعوب بلون فكري واحد متعدد الأطياف، هو الفِكر الإسلامي، وهو الفِكر العربي. تراثُ أى أمة هو تاريخُها وكيانها، وأمَة بلا ماضٍ أُمَة بلا حاضر، وبلا مستقبل، والحِفاظ على التراث وعلى التاريخ هو الحِفاظ على الكيان والهوية.( زكى،2009)
وهناك تقسيم ثلاثى للتراث إلى: فاعل، و خامل، و قاتل ينطبق على التراث فى عمومه، كما ينطبق على الفروع التخصُّصية منه، ففى التراث اللغوى مثلاً تكون المعاجم ومتون اللغة تراثاً فاعلاً ؛لأنها تؤكد العنصر الثقافى للأمة. بينما تعد الخلافيات الفرعية للنحاة وهجائيات الشعراء ومجوناتهم تراثاً خاملاً لا يهم غير الدارس فى تاريخ اللغة والأدب، أما فن الأحاجى والألغاز البلاغية والنحوية، فهو تراث قاتل لكونه مضيعة للوقت والجهد (زيدان، 2013).
وترى الباحثة أنه ما يضر المعلم الاطلاع على ما يدعوه الكاتب تراثًا خاملًا حيث يمكنه استغلاله في التدريس بحيث يخرج في تدريسه عن النمطية التقليدية، ويوضح لطلابه جوانب من اللغة قد تؤدى إلى تغيير اتجاهاتهم السلبية نحوها باعتبارها لغة الدراسة والقواعد الجامدة المملة، بل قد تستخدم في التسلية والألغاز والأحاجى مما يمكن أن يثير الاهتمام والانتباه، و يمكن أن تستخدم أيضا في تنمية بعض مهارات الذكاء اللغوى.
التراث اللغوي العربي هو أشمل وأوسع مما قدمه النحاة العرب أمثال الخليل بن أحمد وسيبويه وابن يعيش وغيرهم. فهذا التراث هو كل عمل عربي وضعه العرب القدماء من أجل تفسير النص القرآني. وهذا يعني أنه عند إعادة تركيب التراث اللغوي العربي فإنه ينبغي البحث في المصادر التالية:
-كتب النحو والشروح التي تناولته (نحويات أو علم التراكيب).‏
-كتب التجويد وفق قراءة القرآن الكريم (صوتيات أو علم الصوت).‏
-كتب البلاغة والفلسفة والمنطق (دلاليات أو علم المعنى).‏
-كتب التفاسير القرآنية والنبوية.‏
-دواوين العرب الشعرية والنثرية والشروح التي تناولتها.‏
-كتب الموسوعات المعرفية المختلفة التي كتبها عظماء الكتّاب العرب، أمثال الجاحظ وابن عبد ربه وابن حزم الأندلسي وغيرهم.‏
-كتب المعاجم واللغة كما هي الحال عند ابن منظور وابن فارس والأصمعي والقالي وغيرهم.‏
-كتب التاريخ كما هي الحال عند الطبري وياقوت الحموي وغيرهما.‏
- كتب الأمالى كمصدر من مصادر التراث اللغوى العربى وهى: مصنفات كتب الأمالي التي تضم ألوانًا من الأدب واللغة والنقد والتاريخ, وزبدة الشواهد الشعرية والأدبية التي تقوم شاهدا على خصوبة الحركة العلمية والحضارية عند العرب.


تدريس اللغة العربية- التراث اللغوى -


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع