مدونة د. السيد علي السيد


"المدرسة في ذمة الله...البقاء لله

د. السيد علي السيد | Dr. El - Sayed Ali El - Sayed Gommaa


31/12/2022 القراءات: 1449  


الذي يعيش التجربة ليس كمن يسمع، فقد يسمع الإنسان عن أشياء وأمور ولكن لا يلقي اهتمام أو لا يتوقع أحداث وتفصيل تلك المواقف أو الأشياء، وقد ينتظر ليعيش التجربة بنفسه، وهذا واقع كاتب هذه الكلمات.
سمع كثيرًا عما يحدث في الثانوية العامة من تفاصيل وتحولات وتطورات سلبية لا إيجابية فيما يتعلق بحجز الدروس الخصوصية، وما لذلك الأمر من مكانة محورية في واقع المدرسة وحياة الأسرة خلال شهر أغسطس من كل عام، وما تبذله الأسرة من جهد للبحث والاجتهاد لإلحاق الأبن أو الأبنة بمجموعات مناسبة عند مدرس متفق عليه من قبل أصحاب الخبرة (أولياء الأمور السابقين في المجال)، والذهاب لأماكن الحجز (السنتر)، والدفع المقدم (جدية حجز)، والاشتراك بالسنتر (ID للطالب) كما يطلقون عليه، والتواصل مع المساعديين (أسيست) وليس المدرس نفسه، واكتشاف وجود فريق كامل متكامل منظم يعمل من خلال سنفونية متوافقة؛ لإنجاح المنظومة.
ليجد ولي الأمر نفسه أمام عالم جديد لم يعاصره أو يعايشه في حياته وخبراته السابقة في سنوات دراسته في مرحلة الثانوية العامة، فقد كان الأمر مباشر، يتصل الطالب أو ولي الأمر مع المدرس، ويتم الحجز من خلاله وتحديد الموعد، ليجد التلميذ نفسه في مجموعة لا تزيد عن (8) تلاميذ، وفي بيت المدرس أو أحد زملاء الدرس، والتفاعل مباشر مع المدرس هو الذي يشرح ويتابع ويختبر المجموعة ويصحح الواجبات، ويشجع، وينتقد، ويتواصل مع ولي الأمر.
والملفق للنظر أيضًا أن التلاميذ يحصلون على دروس خصوصية في كل المواد الدراسية، بل قد يحصل التلميذ على أكثر من درس عند أكثر من مدرس في مادة واحدة، حيث إن لكل مدرس نقاط قوة ونقاط ضعف، وبالتالي يجب الاستفادة، فهناك من هو متفوق في الشرح، وآخر متمكن من الاختبارات، وهكذا.
وتصنع أصنام حتى في مجال التعليم، ليتبعها العديد، ويتكالب أولياء الأمور على تقديم القرابين لهم، من وساطة لإلحاق الأبناء عند المدرس الفولاني، أو اجتيار شروط للتقدم والالتحاق، أو الدفع مقدم، أو السرعة والتبكير في الحجز، وغير ذلك من القرابيين.
وفي لغة الاقتصاد، تتكون امبراطورية رأسمالية متعفنة خفية تستنزف الأسرة ومواردها، مما يسهم في زيادة الضغط المادي والمالي عليها، وما لذلك من آثار سلبية اجتماعية ونفسية ومادية على تلك الأسر الغنية منها والفقيرة.
وعلى الرغم من تعقد مكونات تلك المنظومة وتخطي أعداد التلاميذ في المجموعة الواحدة (100) تلميذ، والجهد المهول والكبير الذي يبذله المعلم في الدروس الخصوصية، وهذا التشعب غير الطبيعي؛ إلا أن المنظومة ناجحة، والعجيب أن هذه المنظومة لا يحدها قانون أو تشريع أو إدارة رسمية بل قائمة على اتفاقات شخصية وأعراف متداولة، وليس هناك مراقبة أو مراجعة أو تقويم (كل المصطلحات التي نسمعها في التعليم الرسمي)، وعلى الرغم من ذلك ناجحة.
ومن الأمور التي ترددت على مسامع صاحبنا أن التلاميذ لا ينتظمون في المدارس، فالأمر بسيط يتم استبدال المدرسة بالدرس الخصوصي، فالمعلمون غير مهتمين فكل ما سيلقوه يتلقاه التلميذ في الدرس الخصوصي؛ فلما التعب وبذل الجهد، وأولياء الأمور انحصر هدفهم من التعليم على حصول الابن على درجات مرتفعة، وهناك طائفة من المعلمين توفر طاقتهم إلى الدروس.
ومن المظاهر أيضًا انخراط غير المتخصيين في التربية والتعليم في مجال الدروس الخصوصية، ففي الفيزياء والرياضيات تجد "المهندسيين وخريجي كليات العلوم"، وفي الكيمياء "الكيميائيين وخريجي كليات العلوم"، واللغات خريجي "الألسن، والآداب"، وغير ذلك.
ورفع شعار "التعليم مهنة لمن لا مهنة له" وطُبق على أرض الواقع، والملفت للنظر أن هناك منهم من حقق نجاجات ورواج لم يستطيع أن يحققه المعلم "خريج كليات التربية"، وتتكون امبراطوريات؛ تسهم في فساد وتدهور الحياة التعليمية التي هي بمثابة "الدرع الحصين للمجتمعات".
وفي مراحل التعليم ما قبل الثانوية العامة، يظهر معلم "الكوكتيل"، معلم واحد لكل المواد الدراسية، بل يشارك في التعليم في مجال الدروس الخصوصية؛ أي شخص (أعني هذه الكلمة)، فهناك من الأسر من تلحق أبنائهم في مجموعات دراسية عند "معلمي كوكتيل" غير متخصصين، خريجي مؤهلات عليا أو متوسطة غير تربوية أو تخصصية، كالتجارة والمعاهد المتوسطة وغيرها.
وبالتالي، يتضح أن الأهداف التربوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والسياسية الذي درسناها في كليات التربية أصبحت في "ذمة الله"، حتى الأهداف التعليمية اقتصرت على الحفظ والاستظهار، ويمكن أن نعلن وفاة "أهداف بلوم المعرفية"، وفالغرض "التحصيل والدرجات المرتفعة".
وعليه، أصبحت المدرسة المؤسسة الاجتماعية والثقافية والأخلاقية والعلمية والتربوية وفي ذمة الله.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
البقاء لله وحده...خالص العزاء


المدرسة - الدروس الخصوصية - المؤسسة الاجتماعية والثقافية والأخلاقية والعلمية والتربوية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع