أسس معالجة خطاب الكراهية في التصور الاسلامي
د. طه أحمد الزيدي | Dr. TAHA AHMED AL ZAIDI
14/03/2024 القراءات: 980
إن خطاب الكراهية الذي يدعو إلى الفرقة والتمييز بين الناس على أساس لونهم أو جنسهم أو عرقهم هو خطاب مرفوض، ومحرم شرعاً؛ لأنه يخالف تعاليم الإسلام التي أعطت كل إنسان حقه، وجعلت ميزان التفاضل التقوى ومخافة الله تعالى (التقوى أولا)، فالتمسك بتعاليم الإسلام يحمي الفرد والمجتمع من أي فكر منحرف أو متطرف أو اقصائي، والعنف والكراهية يتناقضان مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، الذي نزل بالرحمة والتسامح والعدل بين جميع البشر (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).
وخطاب الكراهة يؤدي الى ممارسات منفرة ومجتمعات متعثرة وحروب مدمرة، كما حصل في بلادنا وما تشهده غزة من عدوان يغذيه خطاب كراهية لشخصيات سياسية ودينية.
ولذلك حذرت من تعاليم الدين الإسلامي الذي في حقيقته يعدُّ مَعيناً لا ينضب من التسامح والاعتدال والعدالة، فقد كانت نظرته للمخالفين له نظرة رحمة بعيداً عن التعصب والكراهية، وأوصى بمخطابتهم بالحسنى، لقوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}، والمسلم يحرص على الدعاء للمخالفين له بالهداية والمغفرة، وقدوتنا في ذلك نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) رواه البخاري.
وقد وضع الإسلام التشريعات التي تصون كرامة الإنسان وتحفظ حقوق الضعفاء، وحارب النظرة العنصرية للآخرين، وقد قدم حلولاً عملية للقضاء على جميع أشكال التمييز التي تخالف تعاليمه ونظمه، فجعل ميزان التفاضل بين بني الإنسان هو التقوى فقط، فلا تمييز في الإسلام على أساس الجنس أو اللون أو العرق، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
وقد حرّم الإسلام كذلك اللعن والشتم والغيبة والنميمة والخوض في الباطل والسخرية والتنابز بالألقاب، لما فيه من أذية للآخرين قال الله تعالى: {والَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}، وقال عليه الصلاة والسلام: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلاَ اللَّعَّانِ وَلاَ الفَاحِشِ وَلاَ البَذِيءِ) رواه الترمذي.
وقد أرسى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قواعد العدل عندما هاجر الى المدينة، ووضع الأسس التي تقوم عليها الدولة من خلال وثيقة المدينة التي جعلت المجتمع واحداً، الكل فيه سواء، وضمنت الوثيقة لغير المسلمين أن يعيشوا آمنين في ظل دولة الإسلام، لا يساء اليهم ولا يوجه اليه ما يكرهون، ونظمت الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بين المسلمين بعضهم مع بعض وبين غير المسلمين، فعززت مفهوم سيادة الشرع وسلطة القانون، وحقوق المواطنة، والمسؤولية الجماعية، كما عززت مفهوم التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد، وحذرت من الاساءة أو الكراهية.
فالإسلام منهج رباني لا مكان فيه للتعصب والعصبية، قال عليه الصلاة والسلام: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ)، وهذه التعليمات والنظم الإسلامية سبقت الجمعيات الحقوقية وجمعيات حقوق الإنسان في إرساء حقوق الإنسان في ظل الإسلام.
ومع انتشار خطاب الكراهية والفكر المتطرف والممارسات الاقصائية في مجتمعاتنا لذا نحتاج الى تأمل ومن ثم برنامج عمل لمعالجة هذه الظواهر السلبية، وعليه يمكن الحد من الخطابات المتعصبة والمثيرة للكراهية من خلال الخطوات الآتية:
أولاً: توظيف وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، كمنصات لبثّ رسالة الإسلام السمحة، وأنه منهج رباني لا مكان فيه للنظرة العنصرية، أو التفريق على أساس اللون أو الجنس.
ثانياً: احترام حق الآخرين في حرية التعبير ما دام أنه لا يتعلق بموضوع يصادم قواعد الشرع والقيم العليا للمجتمع.
ثالثاً: اللجوء إلى الحوار البناء في القضاء على الأفكار العنصرية، من خلال رفع مستوى الوعي بشأن مخاطر التمييز والتعصب، كعقد الدورات التدريبية والورش التوعوية للحد من خطورة خطاب الكراهية وفي ضوء مبادرة رئيس الوزراء ووزارة الاتصالات.
رابعاً: تفعيل المسؤولية الفردية والمجتمعية والحكومية، وذلك على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع ومؤسسات التربية والتعليم، بحماية ابناء الجيل من الفكر الدخيل أو المتطرف، وتهيئة البيئة التربوية السلمية للتعايش مع الآخر واستئصال الاسباب التي تدفع لتبني خطاب الكراهية.
خامسا: مع الاعتزاز بالهوية الخاصة لكل فرد أو جماعة لا بدّ من الحرص على الحفاظ على الهوية الجامعة للدولة المتمثلة بالهوية العراقية، في التعايش والبناء.
سادسا: صياغة محتوى منضبط للخطاب المضاد للكراهية وذلك عبر إنشاء مساحة للنقاش المفتوح والتحاور البناء تشارك فيه الفئات المجتمعية ولاسيما شريحة الشباب مما يسمح لهم بتكوين فهم دقيق لأبناء الوطن الواحد وإدراك القضايا المصيرية المشتركة.
سابعا: تبني سياسة الاحتواء وتصحيح المسار الفكري من خلال اتاحة مساحة للإصغاء والمشاركة الحوارية الفكرية البناءة، مع معتنقي خطاب الكراهية، مع تجنب الإساءة والمواجهة المباشرة قبل الممارسة العنفية التي قد تدفعهم للتشبث بآرائهم ومواقفهم ومن اجل تقليل دائرة نفوذهم وتأثيرهم.
ثامنا: تعزيز الخطاب الوطني الرسمي التعايشي لأن خطاب الكراهية يكون أشد تأثيرا في المجتمع حينما يصدر من السلطة الحاكمة ضد مجموعة من ابناء الشعب فيستخف بهم لمعتقد او عرق أو طائفة يقابله انقياد هذه الفئة على كره لهذا الاستخفاف مما يؤدي الى الاضطهاد او التهجير القسري أو المواجهات الدامية (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ).
خطاب الكراهية- الخطاب الاسلامي- مكافحة خطاب الكراهية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع