مدونة صالح بن ناصر بن علي الخروصي
"هل العقود على ما أسست أو على ما عقدت"
د. صالح بن ناصر بن علي الخروصي | Saleh Nasser Ali Al Kharusi
12/10/2022 القراءات: 1388
قاعدة:" هل العقود على ما أسست أو على ما عقدت؟" قاعدة مفيدة جدا، فهي تعنى بالشروط التي تضم إلى العقود، وتزداد أهمية هذه القاعدة في العصر الحديث نظرا لاختلاف طريقة إبرام العقود، فهي عادة لا تبرم في وثيقة واحدة، بل تستبقها لقاءات تمهد لها، وهذه اللقاءات تتضمن إعداد مستندات تبين شروط العقد الذي سيبرم بين الطرفين، والتي قد تصل لعشرات الصفحات، قد تسمى "بمذكرة تفاهم" أو "اتفاقية أولية" أو "اتفاقية تمهيدية" أو غير ذلك من الأسماء التي تفيد أنها ليست العقد الرئيسي الذي يرغب الأطراف بإبرامه، بل تمهيد له، فإذا جاء يوم إبرام العقد لا يعاد ذكر تلك الشروط، وهو ما يثير التساؤل عن مدى اعتبار تلك الشروط وضمها للعقد، وإلزام الأطراف بها.
إن الشروط التي تضم إلى العقود إما أن تقترن بها وقت إبرامها فتكون مقارنة لها، وهذه لا خلاف بين الفقهاء في ثبوتها متى كانت شروطا صحيحة، وإما أن يُتَّفق عليها قبل إبرام العقود، ولا يرد لها ذكر عند إبرام العقود بإثبات أو نفي، وهي الشروط السابقة، وقد اخْتُلف في حكمها، فذهب الإباضية والمالكية والحنابلة إلى أنها كالشروط المقارنة، فتكون شروطا ملزمة للطرفين، فيما ذهب الشافعية والظاهرية إلى أنها كالوعد، فالوفاء بها لا يعدو أن يكون من مكارم الأخلاق، غير أنها غير لازمة حكما، وهذا الخلاف اختصر في العبارة الموجزة المتقدمة:" هل العقود على ما أسست أو على ما عقدت؟"، جاء في كتاب (لباب الآثار):" وقال: ما معنى ما قيل "إن البيوع على ما أسست أو على ما عقدت"؟ قال: معي أنه على قول من يقول:" إن البيوع على ما أسست" إذا تخاطب المتبايعان للبيع والشراء، تشارطا في بيعهما ذلك على شيء قبل عقدة البيع، ثم عقد البيع على ذلك، ثبت الذي تشاركا عليه قبل عقدة البيع، لهما وعليهما، وقول من يقول:" إن البيوع على ما عقدت"، فلا يثبت ذلك الشرط حتى يتشارطا عند عقدت وواجبته، وقد يوجد "أن البيوع على ما أسست" في الحلال والحرام، و"على ما عقدت" في الأحكام، والله أعلم" (ج9/ص187)، وبهذا فإن القاعدة يعمل بها وفق حالة معينة، هي:
1- أن يتم الاتفاق على الشروط قبل إبرام العقد، فإن تم الاتفاق عليها عند إبرام العقد كانت شروطا مقارنة له، وملزمة لأطرافه، كما أن مجرد التفاوض على الشروط لا يعني قبول الطرفين لها، فلا بد من قبول الأطراف لها، ومن أبرز صور إثبات اتفاق الأطراف على الشروط السابقة هو التوقيع على ذلك، ولذا فإن توقيع الأطراف على العقد الرئيسي دونها لنسيان أو غفلة أو غير ذلك قد يجر الأطراف إلى النزاع حول إلزام الطرف الذي لم يوقع بالشروط السابقة لعدم وجود ما يثبت قبوله لها، كأن يتم التوقيع على عقد المرابحة التي يتملك بموجبه العميل السلعة، وتخرج من ملك المصرف، ويظهر بعد ذلك عدم توقيع الأطراف أو أحدهما على الاتفاقية التمهيدية التي جاء فيها ذكر شروط عقد المرابحة.
2- ألا يرد للشروط ذكر في العقد الرئيسي، ولذا فإن ورد لها ذكر في العقد كانت من قبيل الشروط المقارنة لا الشروط السابقة، على أن ذكرها في العقد قد يكون بالنص عليها مرة أخرى، وقد يكون بالإشارة إليها، وذلك كأن يتم الاتفاق مع العميل على المرابحة، فيتم التوقيع على اتفاقية أولية للدخول في التمويل بالمرابحة مع ذكر جميع شروط التعاقد بالمرابحة، وعند بيع المصرف السلعة للعميل بالمرابحة يشار في عقد المرابحة إلى الشروط بعبارة "تعد الشروط الواردة في (الاتفاقية الأولية) جزءا لا يتجزأ من هذا العقد"، فالإشارة إلى الشروط هنا جعلت الشروط السابقة من قبيل الشروط المقارنة لا الشروط السابقة.
عقود - شروط سابقة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف