مدونة امصنصف كريم بن محمد


إشكالية الوجود والمعرفة في الفلسفة الإسلامية (2/2)

امصنصف كريم بن محمد | Msansaf Karim ben mohammed


24/11/2020 القراءات: 5617  


(تتمة)
 
- إشكالية الوجود:
 
ما هي الأدلة الموضوعية على وجود الله؟ انطلاقا من البحث في الكون وعلته تكونت فلسفة الوجود، فمبحث الوجود يتناول طبيعة الوجود وحقيقته وأصله وعلته أي المخلوق والخالق. وإنَّ مسألة التدليل على وجود الله ومحاولة البرهنة على وحدانيته، من المسائل الفلسفية التي خاض فيها أكثر فلاسفة الإسلام، سواءً في المشرق العربي كالكندي والفارابي والغزالي، أو في المغرب الإسلامي كابن رشد الفيلسوف الأندلسي. وفي بحثنا هذا سندرس هذه المسألة ابتداء من أول فلاسفة الإسلام وهو الكندي. مع الأخذ بعين الاعتبار، ارتباط هذه المسألة، بقضية حدوث العالم وقِدَمه، تلك القضية التي بحث فيها الكندي ومن جاء بعده من فلاسفة الإسلام. والفلاسفة الإسلاميين يتفقون جميعا في الحد الأدنى على الآتي( ): إن الله تعالى هو علة فاعلية، وعلة غائية، لهذا الوجود، والسبب يعود إلى المنبع الذي ينهل منه هؤلاء الفلاسفة على مختلف مشاربهم، ألا وهو القرآن الكريم الذي يورد بصريح العبارة أن تلك العلة الفاعلة/الغائية هي/هو الأول والآخر. إن تلك العلة هي العلة الفاعلية الأولى، وإنه قديم وما كان مع وجوده وجود قبل أن يخلق العالم من عدم. إن وجوده عين ذاته، بمعنى إنه المطلق وإنه واجب الوجود بذاته. أما العالم المحدث فقد وجد بعد أن لم يكن وإنه محدث بإرادته، فهو إذن مركب من ماهية ووجود حصل عليهما بفعل العلة الأولى. إن هذه العلة كانت ولا تزال مدبرة لهذا العالم. وإذا نظرنا إلى ما تركه لنا فلاسفة الإسلام من مؤلفات ورسائل، نجد فكرة الغائية والعناية الإلهية بارزة بروزاً ظاهراً، حين يستدلون على وجود الله. ونجدهم أيضاً قد ربطوا ربطاً وثيقاً بين فكرة الغائية وفكرة العناية الإلهية. ولعلهم أرادوا من ذلك تفادي ما في مذهب أرسطو من نقص. ذلك النقص الذي يتمثل في تلك الفجوة بين الله والعالم. أي أنهم أرادوا أن يؤكدوا وجود علاقة بين الله والعالم، بدليل تلك الغائية والعناية الإلهية المشاهدة في الكون الذي نعيش فيه. إنَّ مسألة التدليل على وجود الله ومحاولة البرهنة على وحدانيته، من المسائل الفلسفية التي خاض فيها أكثر فلاسفة الإسلام، سواءً في المشرق العربي كالكندي والفارابي والغزالي، أو في المغرب الإسلامي كابن رشد الفيلسوف الأندلسي. ولقد اجتهد الفلاسفة الأربعة في الاستدلال على وجود الله بالنظر العقلي لأنه لا يتعارض مع تعاليم العقيدة الإسلامية فاستدلوا بالموجودات على وجود الله لكن اختلفوا في التقسيم. فالفلاسفة الإلهيون لم يسلكوا في الاستدلال على وجود الله تعالى مسلك المتكلمين، وهو الاستدلال بالحادث على المحدث، أو بالنظام على المنظم، أو بالصنعة على الصانع، الذي ينطلق من العالم لإثبات وجود الله. بل قسم الفلاسفة الموجودات إلى قسمين واجب الوجود وممكن الوجود، بدلا من التقسيم المعروف القديم والحادث. أما الاستدلال بواجب الوجود وممكن الوجود فيحاول أن يثبت وجود الله انطلاقا من فكرة الله ذاتها باعتباره واجب الوجود بذاته. فاجتهدوا في أن يثبتوا وجوده بأدلة عقلية متماسكة. إذ أن الكندي استدل بحدوث العالم أي بما أن الموجودات حادثة فلابد لها من موجد قديم وهو الله، وتابعه الغزالي قال والعالم حادث فيلزم منه إن له سبباً، ونعني بالعالم كل موجود سوى الله تعالى. ونعني بكل موجود سوى الله تعالى الأجسام كلها وأعراضها. وأما دليل الفارابي القائم على فكرة واجب الوجود فلا يخلو من أصالة، إذ قسم الموجودات إلى قسمين واجب الوجود وهو الله وممكن الوجود وهي الموجودات. وأما ابن رشد الحفيد فاستدل بحسن نظام العالم وتدبيره وسماه دليل العناية، واستدل بالاختراع على الصانع، فالموجودات المصنوعة تدل على الصانع، وهو دليل الشرع أيضا.
 
- إشكالية المعرفة:
 
انطلاقا من البحث في العقل وكنهه وقدرته تكونت فلسفة المعرفة فبحث المعرفة يتناول الآراء التي قالها الفلاسفة في كيفية حصول المعرفة ووسائلها ومبلغها من الصحة. ويدور الإيمان بالقدر على أربعة أمور هي أصوله وأركانه التي لا يكون إلا بها؛ وهي العلم والكتابة والمشيئة والخلق. والفلاسفة الإلهيون ينكرون علم الله بالجزئيات المعينة؛ لأن إدراكها إنما يكون بجسم أو قوة حالة في جسم، والله ذات أزلية ليس جسما. لقد حاول الفلاسفة الأربعة أن يوفقوا بين الفلسفة والدين ولكن هذه المحاولة التوفيقية بين إله القرآن وإله الفلسفة أثارت من جملة ما أثارت مسألة علم الله. هل يعلم الله الكليات والجزئيات أم يعلم الكليات فقط دون الجزئيات أم يعلم الجزئيات على نحو كلي؟ فالكندي وابن رشد بعامة والغزالي بخاصة جميعهم يذهبون إلى أنَّ الله تعالى عالم بالجزئيات من أجل أن يثبتوا وقوع الحساب والعقاب في الآخرة، لأنَّ الله تعالى إذا لم يكن عالماً بالجزئيات فلن يثيب الناس أو يعاقبهم، وبذا يتقوّض معنى الآخرة، بينما ذهب الفارابي إلى القول بأن الله يعلم الكليات دون الجزئيات. وهي مسألة لقي الفلاسفة من جرائها عنتا كبيرا إلى درجة أن الغزالي كفرهم فيها ومن هنا كانت حملة الفقهاء والمتكلمين على الفلسفة علم الأوائل (الوثني) وعلى الفلاسفة الإسلاميين الذين (تمنطقوا فتزندقوا)، الشيء الذي جعل ابن رشد يرد على الغزالي في تكفيره للفلاسفة القائلين: "بأن الله لا يعلم الجزئيات" موضحا أن مسألة علم الله مسألة نسبية، لأن علم الله لا يشبه علم المخلوقين. اهـ


فلسفة إسلامية،


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع