مدونة ياسر جابر الجمال


التلقيات النقدية للقصة القصيرة والقصَّة القصيرة جدًا عند الكاتب السّيد حافظ بين منطلقات التأويل...

ياسر جابر الجمال | Yasser gaber elgammal


31/05/2024 القراءات: 725  



التلقيات النقدية للقصة القصيرة والقصَّة القصيرة جدًا عند الكاتب السّيد حافظ بين منطلقات التأويل والتقنيات الفنية2



سيميائة العناوين:
إنّ الوقف عند العتبات النصية والتأمل في مضمينها يعطينا أبعادًا منفتحة في التأويل ـ وأول ما يُمكن التعاطي معه هو العنوان الَّذي يمثل الباب الأول للولوج إلى القصَّة القصيرة، إنه المشرط الَّذي يُمكن من خلاله تشريح النص الأدبيّ بصورة دقيقة، وهو العتبة الأولى في القراءة للنصوص، ونصوص السّيد حافظ على امتداد المجموعة القصصية القصيرة – الأربعة عشر – القصيرة جدًا – الثلاثة والأربعون – بمثابة بوابات يعبر منها المتلقي إلى ذلك النهر الجارف من الدلالات، فالعناوين عنده بمثابة وسائل وآليات تمتد بحبل سرى مع روح النص، ولا يُمكن إغفال ذلك، ولذلك نحن نرى أن العنوان " هو بمثابة الرأس للجسد، فالعناوين ذات وظائف رمزية مشفرة ومسننة بنظام علاماتي، دال على عالم من الإحالات، وأول المراحل الَّتي يتأملها الباحث السّيميولوجي، قصد كشف بنيات النص ومنطوقاته الدلالية ومقاصده التداولية، فإذا كان العنوان يُعَيِن طبيعة النص ويحدد نوع القراءات المناسبة له، فهو أيضًا يعلن عن مقصدية ونوايا المبدع ومراميه الإيديولوجية، فالعنوان هو المحور العام للنص" ( )
ويؤسس السّيد حافظ في المجموعة القصصية لهذه المضامين والتفاعلات الدلالية من خلال رمزية العناوين، فكل قصة من تلك المجموعة لها عنوان ينبئ عن مساقات التأويل الَّتي يُمكن الوقوف عليها والتعاطي منها، ومن ذلك قصة: "كانت طفلة المدن الثلجية " وهو أول عنوان نطالعه في المجموعة القصصية، يعطينا "علامة إجرائية ناجحة في مقاربة النص، بغية استقرائه وتأويله"( )، فمن تلك الطّفلة الَّتي امتلكت قلبه، وأوصدته عليها حتَّى جعلته يكتب أسمها في كل مكان في الحارة، إنها "حمولات دلالية، وعلامات إيحائية شديدة التنوع، فهو نظامًا دلاليًا رمزيًا"( ) يمنحه الكاتب في العنوان الَّذي " له بنيته السّطحية ومستواه العميق مثله مثل النص تماما ولا يخفى على أحد وجود شبه كبير بين العنوان، وتسمية المولود، ومختصر الجديد، فالتسمية تؤسس لنسب الطّفل واندماجه في الجماعة، وكذلك الحال بالنسبة للعنوان الَّذي يؤسس لانتماء النص الأدبيّ والثقافي والإيديولوجي"( )
ومن ذلك قول السّيد حافظ في قصته القصيرة " كنت عربيًا"( )، فهذه القصَّة يؤسس عنوانها لقضية التحول في العقلية العربية من النقيض إلى النقيض، فالعقل العربي أخذ في التحول الكبير من القضايا الكبرى إلى القضايا الصّغرى، من القضايا الَّتي تحدد هويتنا ومصيرنا إلى القضايا المتعلقة بالأخلاقيات والسلوكيات اليومية، تحول في الشّكل والمضمون، وكيف لهذا العنوان البسيط أن يمنح المتلقي هذا الكم من العلامات والدلات، ذلك أن الكتابة الَّتي أفرغت وخرجت من رحم لغة الواقع على مستوى البنية والتدليل " تمتلك...آليات الإعلان عن نفسها وافتكاك الاعتراف الفني والاجتماعي بها من داخلها قبل خارجها، خصوصًا إذا كانت صادرة عن مخيلة جموحه، طموحة، تراهن على الانتصار لمبادئ وقيم ثقافة الاختيار والحرية والعدل وتكافؤ الفرص في الحياة، وهي ثقافة تظل مجرد مشروع وجود، أو مجرد شعارات جوفاء لإرادة منفية، بل لإرادة ضالة ومضلة، ما لم تتحقق في دنيا الناس وتتكامل في السّمو بحياتهم المادية والمعنوية والحضارية والروحية، على النحو الَّذي يستشرف بناء مجتمع الفرص التاريخية والحضارية المتوثبة، الجديدة، أو المسترجعة "المحينة"، رغم كل المعوقات والتناقضات الطّارئة داخليًا أو خارجيًا أو هما معًا. "( )
كما أن البناء اللغوي: " كنت عربيًا "، استخدم السّيد حافظ الفعل الماضي الَّذي يدل على الثابت فهو يريد أن يقول لنا إنني كنت وسأظل عربيًا رغم هذا الكم من التحولات والمشاريع الَّتي رصد لتلك التحولات، فالعنوان الَّذي أمامنا ينساب في عدة اتجاهات:
- الاتجاه الأول : اتجاه الكاتب
ويمثل الثبات والصمود على المبدأ (العروبي)
- الاتجاه الثاني : اتجاه الناس من حوله
ويمثل الناس والمجتمع من حوله (حالة التحول في كل شيء).
إنّ العناوين في مجموعة السّيد حافظ بمثابة المرأة الَّتي تعطي الإشارات الجزئية الَّتي تتكون منها الصّورة الكلية لخلفيات القصَّة الَّتي تندرج أسفلها، ولذلك فهي تعالج معالجة دقيقة حتَّى يُمكن التعرف على المدلولات والعتبات النصية من خلالها، فالعناوين في مجموعة السّيد حافظ " يمثل ناطقها الرسمي، والنائب عنها، فلا يُمكن المباشرة في تحليلها مالم تكن هناك إشارة إلى تحليل بنية العنوان وما يوارى عنه، فالعنوان تلك اللافتة، الَّتي ترمز للنص أو هو ذلك الهرم، قاعدته النص وقمته العنوان، لأنه أول ما يصادفك، فلا ترى قاعدته إلاّ بعد الاقتراب منه" ( )
إنّ العناوين هي المفاتيح المؤدية إلي الأبواب الَّتي يقصدها المؤلف، ولذلك ساهمت نظرية التلقي في رصد هذه القضايا، إذا جعلت المتلقي مشاركًا في العمل الأدبيّ، ولا يتوقف على المبدع فقط، فالقارئ مشارك في العمل بصورة أو بأخرى، وعلى هذا يُمكن لنا تأويل النصوص وفق مقاربات نصية متعددة، ولذلك جاءت نظرية العنونة أو دلالة العنوان في النصوص بدور هام وفعال، فهو العلامة على عقلية ومشروع صاحبه، ويرى جيراجينت " في كتابه "عتبات" أن العنوان هو النص الموازي أو الملحقات النصية (Les paratextes) كالعنوان، والعنوان الفردي، والعناوين الداخلية، والمقدمات والملحقات.....، وأنواع أخرى من العلامات الثانوية والإشارات الكتابية يظهر أن العنوان يحتل مكانة مهمة داخل حقل العتبات، لاعتباره مفتاحًا إجرائيًا ومدخلًا أساسيًا لأي نص وحلقة أساسية ضمن حلقات بنائه الاستراتيجي، كما أنه يمثل نواة دلالية تؤسس للنص وتهبه مشروعية الوجود ومنه تنطلق الشّرارة الأولى للقراءة" ( )


التأويل -- السيمياء


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع