مدونة أ د محمد مصطفى أحمد شعيب
حفظ العمل بعد تمامه والحذر من الإفلاس
فضيلة الدكتور محمد مصطفى أحمد شعيب | Dr. Mohammed Mostafa Ahmed Shoaib
23/03/2025 القراءات: 28
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أيها المباركون يجب علينا أن نحفظ صيامنا وصلاتَنا وتلاوتَنا للقرآنِ وصَدقاتِنا، أن نحفظَ حسناتِنا، فمنَ السهل كسبُ الحسنات، وفضلُ الله جل وعلا واسعٌ، وأبوابُ الخيرِ كثيرةٌ ومُشرعة، لكنْ مِنَ أصعبِ ما يكونُ الحفاظُ على تلك الحسنات.
قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} [النحل: 92]، أي: ولا تكونوا في نقضِكُم لما تَعقدونَ مِن عُهُودٍ كالمرأَةِ الحمقاءِ التي كانتْ تغزلَ غزلها قويًا متماسكًا ثم تنقضُهُ من بعدِ ما أحكَمَتْه لتعاودَ غزلَه من جديد، وتلكَ حماقةٌ لا تعدِلُها حَماقة.
ومثلُ هذه الحماقةِ حَماقَةُ من يتعبُ في جمعِ الحسناتِ وتحصيلِها ثم يُفَرِّطُ فيها بكلمةٍ أو تصرُّفٍ أو موقفٍ أو معصية.
روى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟)، قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْضَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ).
وروي عن الحسن البصري رحمه الله أن رجلاً قال: (إن فلانًا قد اغتابك)، فبعث إليه طبقًا من الرُّطَبْ، وقال: (بلغني أنك أهديتَ إليَّ حسناتِك، فأردتُ أن أكافئك عليها، فاعذرني، فإني لا أقدرُ أن أكافئك بها على التمام).
وقال رجل للحسن: (بَلَغَنِي أَنَّكَ تَغْتَابُنِي، قَالَ: لَمْ يَبْلُغْ قَدْرُكَ عِنْدِي أَنْ أُحَكِّمَكَ فِي حَسَنَاتِي).
وقال عبدُ الرحمن بنُ مهدي رحمه الله: (لولا أني أكره أن يُعْصى الله، لتمنيت أن لا يبقى أحد في المصر إلا اغتابني، أي شيء أهنأ من حسنات يجدها الرجل في صحيفته لم يعمل بها؟!).
وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: (لو كنت مغتابًا أحدًا لاغتبت والديَّ؛ لأنهما أحق بحسناتي).
ومثل الغيبة: النميمة، والبهتان، والكذب، والظلم، والغش، والكبر، ومنع الناس حقوقهم، وأكل أموال الناس بالباطل، وغيرها من الذنوب والمعاصي والمحرمات..
روى ابن ماجه والطبراني في الأوسط عَنْ ثَوْبَانَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا" قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ. قَالَ: "أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا).
فاحفظوا أعمالكم، داوموا على الصالحات، احذروا من حقوق العباد، ومظالم العباد، احذروا أكل أموال الناس بالباطل، احذروا الغيبة والنميمة وسائر المعاصي.
حفظ العمل، الإفلاس، مظالم العباد، نقضت غزلها
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة