مدونة ا.م.د. رجاء خليل الجبوري


ثقافة الإلغاء في عصر الذكاء الاصطناعي بين التقدم والتحولات الاجتماعية

ا.م.د .رجاء خليل الجبوري | Assist Prof Dr Rajaa .K. Aljubore


16/03/2025 القراءات: 31  


في عصر الذكاء الاصطناعي، أصبحت المفاهيم المتعلقة بالإنسانية والابتكار في حالة تحول مستمر. نحن اليوم نعيش في زمن يعيد فيه الذكاء الاصطناعي تشكيل واقعنا على مختلف الأصعدة، ويؤثر على جميع المجالات من العمل والتعليم إلى الثقافة والاقتصاد. ولكن في ظل هذا التقدم التكنولوجي المذهل، يظهر مصطلح جديد يتطلب منا التوقف والتفكير بعمق: “ثقافة الإلغاء”. فما هي هذه الثقافة، وكيف تتقاطع مع عصر الذكاء الاصطناعي؟

ثقافة الإلغاء: مفهومها وتداعياتها
ثقافة الإلغاء هي ظاهرة اجتماعية تمثل الانتقائية في رفض أو إقصاء أشخاص أو أفكار أو أعمال معينة بناءً على مبادئ معينة، وغالبًا ما تكون هذه المبادئ ذات طابع أخلاقي أو سياسي. وقد ارتبطت ثقافة الإلغاء في السنوات الأخيرة بمواقع التواصل الاجتماعي، حيث تم اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة بشأن شخصيات عامة أو منشورات معينة، بدعوى أنها تحمل رسائل مسيئة أو تتناقض مع قيم المجتمع.

في عصر الذكاء الاصطناعي، تزداد هذه الظاهرة تعقيدًا. الذكاء الاصطناعي يوفر أدوات متطورة لتحديد “المحتوى الضار” وتصنيفه. وتستطيع الأنظمة الخوارزمية محاكاة الذكاء البشري في اتخاذ قرارات حول ما يجب أن يُحذف أو يُلغى. لكن هذه الآليات قد تكون أيضًا عرضة للانحيازات، حيث يمكن أن تساهم الخوارزميات في تعزيز ثقافة الإلغاء بدلاً من القضاء عليها، مما يثير العديد من الأسئلة حول العدالة والشفافية في هذه العمليات.

فهل الذكاء الاصطناعي،أداة لتسريع الإلغاء أم إلغاء للإنسانية؟
أصبح الذكاء الاصطناعي في الوقت الراهن أحد المحركات الأساسية لتطوير الأدوات المستخدمة في إلغاء أو تصفية المحتوى، حيث تقدم الخوارزميات أداة لاختيار المحتويات المرفوضة. ولكن المشكلة تكمن في أنه ليس جميع الرفض أو الإلغاء يتم بشكل دقيق أو موضوعي. قد تتعرض الأفكار المبدعة أو الأصوات المعارضة للقمع بسهولة أكبر إذا تم توجيه الأنظمة بطريقة مغلوطة. في بعض الحالات، يمكن أن يُعتبر هذا نوعًا من الإلغاء الرقمي الذي يضيق على حرية التعبير ويقلل من التنوع الفكري.
وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في تصفية خطاب الكراهية والمحتوى الضار، فإن الاعتماد عليه بشكل مطلق قد يتسبب في تعطيل عملية التفكير النقدي، مما يؤدي إلى حالة من التطابق الفكري بين الأشخاص.

لذا فأن السعي لتحقيق التوازن بين التقدم التكنولوجي وحقوق الإنسان يعد تحديًا في عصر الذكاء الاصطناعي. ففي حين أن هذا التقدم يمكن أن يعزز من حياة الإنسان ويجعلها أكثر كفاءة، فإنه في الوقت ذاته يطرح أسئلة حول القيم الإنسانية، مثل حرية التعبير، وتعدد الآراء، والحق في الاختلاف. نحن بحاجة إلى نظام ذكاء اصطناعي يكون أكثر شفافية، بحيث يراعي التنوع ويضمن العدالة في عمليات اتخاذ القرار.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نتذكر أن الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً عن الحكمة البشرية. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحسن من فهمنا للمحتوى وتحديد الانحيازات، فإننا بحاجة إلى تفعيل دور الإنسان في اتخاذ القرارات الأخلاقية حول ما يجب أن يُلغى وما يجب أن يُحفظ.

وفي ظل هذه التحولات التكنولوجية العميقة، يجب علينا التفكير في ثقافة تتسم بالتفاعل والاحتواء بدلاً من الإلغاء. الثقافة التي تحتفي بالاختلافات وتسمح بوجود حوارات نقدية تبني فهمًا أعمق وتفتح أبوابًا لفرص جديدة من التعاون والتطور.

الذكاء الاصطناعي، إذا تم استخدامه بحذر وتوازن، يمكن أن يكون أداة لتحقيق هذا الهدف. بدلاً من إلغاء الآراء المتناقضة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تسهيل الحوار البنّاء بين مختلف وجهات النظر، مع تعزيز القيم الإنسانية مثل الاحترام المتبادل والشفافية.

إن ثقافة الإلغاء في عصر الذكاء الاصطناعي تعكس تحديًا حقيقيًا بين الابتكار واحترام القيم الإنسانية الأساسية. الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على تحسين العالم إذا تم استخدامه بشكل مسؤول، ولكن ذلك يتطلب منا أن نتفحص بعمق تأثيره على الحريات الفردية والمجتمعية. وفي نهاية المطاف، ينبغي أن نعمل على توجيه التكنولوجيا لتكون أداة تعبير عن الإبداع والتنوع بدلاً من أداة لفرض التطابق والإلغاء.
إذا تم تبني نهج أكثر شمولية وتفاعلًا، قد نتمكن من بناء مجتمع يعزز من قيمة الأفكار المتنوعة، ويحتفل بالاختلافات، ويتيح للمجتمع الرقمي أن يكون مكانًا يرحب بالتقدم بدلاً من فرض القيود.


ثقافة الالغاء ، العصر الرقمي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع