مدونة أستاذ دكتور بشار اكرم جميل داؤد


التجارة الصامتة في افريقيا جنوب الصحراء

أستاذ دكتور بشار اكرم جميل داؤد | BASHAR AKRAM JAMEEL


17/05/2021 القراءات: 5101  


لم تكن افريقيا جنوب الصحراء بمعزل عن العالم الاسلامي ، فقد اتصل المسلمين في المغرب الاسلامي بالمناطق الواقعة في الجنوب عبر الصحراء الافريقية الكبرى ، وكانت التجارة هي الوسيلة الاكثر فعالية في عملية الربط تلك ، وعلى الرغم من ان التجارة هي المحرك الاساس في ذلك التواصل إلا ان حب معرفة الاخر ونشر الاسلام بين الشعوب كانت الغاية الاساس في ذلك العبور والرغبة في التواصل ، ولم تكن البضائع المستوردة والمصدرة قليلة وبسيطة ، بل كانت هناك بضائع ثمنية تمت مبادلتها بين الجانبين الواقعين على جهتي الصحراء الشمالية والجنوبية ، ويأتي الذهب في مقدمة البضائع التي رغب المسلمون في الشمال الافريقي بالحصول عليها ، إلا ان تلك البضاعة والاتجار بها ليس بالامر الهين ، وكان الاتجار بها يحتاج الى الاستعانة بالتجار السودان انفسهم ولاسيما اولئك الذين يسكنون في عاصمة مملكة غانة المسماة (كومبي صالح) .
بدأت عمليات الاتصال مع تجار غانة منذ وقت مبكر وبدأت تفاهمات تلوح في الافق وتنص على تزويد اولئك التجار بارباح كبيرة ونسب عالية من بيع البضاعة ، وحالما وافق تجار غانة قرر التجار المغاربة الخروج في رحلات منتظمة للحصول على الذهب ، فكات تجار غانة بمثابة ادلاء للمغاربة يرشدونهم الى مكان الحصول على الذهب ، فضلاً عن دورهم المركزي في اتمام التبادل ، إذ لم يكن الحصول على الذهب يتطلب دفع الاموال وإنما تتم العملية بنظام المقايضة ، فالتاجر المغربي يجلب معه كميات كبيرة من الملح والذي تفتقد إليه بلاد السودان (افريقيا جنوب الصحراء) ليحصل بالمقابل على الذهب .
وما ان يصل الطرفان إلى منطقة قريبة من مناجم الذهب حتى تتوقف القافلة ويتم دفع الجمال التي تحمل الملح نحو منطقة تقع خلف تلة ليتم تفريغها من قبل التجار الغانيين المرافقين للقافلة والذين سيعملون كوسطاء في تلك التجارة لكن دون التكلم مع اصحاب مناجم الذهب لكنهم اصحاب الفضل في إرشاد التجار المغاربة إلى طريقة التبادل والطريق الموصل الى المكان ، وحالما يتم تفريغ احمال الملح ينسحب التجار المسلمين المغاربة والغانيين خلف التل وينقروا على طبول خاصة لهذا الغرض حتى يعرف اصحاب الذهب ان الوقت قد حان للتقدم ، وفعلا يأتوا باحمال الذهب ويضعوها امام احمال الملح وينسحبوا ليأتي التجار المسلمين مرة ثانية ويأخذوا الذهب ويرحلوا ، وفي حالة عدم اقناعهم بالكمية يطرقوا على الطبول ليقوم اصحاب الذهب بزيادة الكمية حتى يتم التوافق ويذهب الجميع .
لقد سميت تلك التجارة بالصامتة لان الجميع لايتكلموا فيها والسبب في الامتناع عن الكلام مبني على عدم معرفة الجانبين للغة الاخر ، إلا ان السبب الاهم هو عدم رغبة اصحاب الذهب في التكلم مع اولئك التجار حتى لايستدرج اي منهم احد الزنوج فيبوح له عن اماكن مناجم الذهب فتذهب مسألة التفرد بمعرفتها منهم ويفقدوا ذلك المورد المهم للرزق .
وعلى الرغم من ان التجارة الصامتة اتبعت في اكثر من مكان من بقاع الارض ، إلا ان حدوثها في افريقيا جنوب الصحراء كان سبباً - ورغم عدم التكلم - في تعرف اولئك الساكنين في اقصى الجنوب على الاسلام كدين عبر انبهارهم بملابس التجار المسلمين المحتشمة والنظيفة ، فضلاً عن المصداقية في التعامل والتي جذبت الكثير من الناس نحو ابناء ذلك الدين ليتعرفوا من خلالهم على الاسلام .


التجارة/ الصامتة/افريقيا/الذهب


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع