مدونة ا.م.د. رجاء خليل الجبوري


التجمد الوظيفي ،بحر من الرتابة

ا.م.د .رجاء خليل الجبوري | Assist Prof Dr Rajaa .K. Aljubore


16/03/2025 القراءات: 27  


التجمد الوظيفي هو ليس مجرد حالة من الخمول أو الركود في العمل، بل هو حالة من انعدام المعنى، حيث تلتقي الروح المهنية مع الجدران غير المرئية التي تعزلها عن الإبداع والتطور. إنه الشعور بأنك عالق في دوامة من الزمن المتكرر، تتحرك فيها من يوم إلى يوم وكأنك مجرد ظلال تسير على خطى غيرك. قد تكون الجدران حولك غير مرئية، ولكنها ثقيلة، تكاد تلتهم كل شبر من طاقتك، وكل قطرة من إبداعك.
التجمد الوظيفي،عندما تتحول الحياة إلى “نماذج بلا روح”
إنه ليس مجرد تراكم للأيام على بعضها، بل هو أن تصبح حياتك المهنية مجرد صورة ضبابية، مشوهة بين الأفق البعيد والواقع القريب. الموظف في حالة التجمد الوظيفي يبدو وكأنه يدور في حلقة مفرغة، كل مهمة هي تكرار لما قبلها، وكل تحدٍ يصبح مجرد وهم. هنا، حيث تتحول الأهداف إلى أرقام فارغة، والفترات الزمنية إلى جمل غير مكتملة، يسير الموظف في خط مستقيم دون أن يعلم إلى أين يقوده هذا الطريق، إلا أنَّ الحافة قد تكون أقرب مما يتخيل.
ما اسباب التي تُجمّد الروح المهنية
هل هو اللامبالاة؟ أم هو فقدان الثقة؟ أم أن هذه الهالة المظلمة من الركود هي نتيجة حتمية للبيئة التي لا تدعم الإبداع؟
العوامل والأسباب متشابكة معًا، مثل شبكة من الخيوط التي تلتف حول الذهن وتمنعه من التفكير بوضوح:
• الاعتياد المفرط على النمط: الأيام تصبح متشابهة، والأهداف تغرق في المجهول، فتفقد الحياة المهنية لذتها.
• المكافآت التي لا تأتي: غياب التقدير يعمق هذا الإحساس بالعزلة داخل العمل، ويخلق شعورًا بأن الشخص مجرد آلة تقوم بمهام لا تنتهي.
• الأنظمة الجامدة: في بعض المؤسسات، تصبح الأنظمة والقوانين مثل الجدران الحجرية التي لا تسمح بأي هواء جديد أو تغيير حقيقي.
• التحديات الزائفة: تلك التي تخفي وراءها روتينًا جامدًا وأهدافًا سطحية، تجعل الموظف يشعر بأنه في سباق بلا خط النهاية.
اذن التجمد الوظيفي لا يمس الأداء فقط، بل يخترق الروح. يبدأ الموظف في فقدان الشغف، وتطفو مشاعر الإحباط على السطح، ليتساءل: “هل هذا كل شيء؟” يصبح كل صباح يومًا آخر من تكرار المألوف، ويتراكم الإحساس بالعجز حتى يصبح الثقل غير قابل للتحمل. تدريجيًا، لا يتحول الشخص إلى مجرد عامل متعب، بل إلى شخص مقيد داخل أفكاره، مقيد في صمته، محاصر داخل نمط الحياة الذي لا يتغير. تلك هي اللحظات التي تتساءل فيها: هل سأظل هنا إلى الأبد؟
ما الحلول كيف نخرج من هذا الثلج المتراكم؟ الحلول لا تأتي بالانتظار….
إذا كان التجمد الوظيفي هو حبل من الجليد يلتف حول الروح المهنية، فإن الحل يكمن في كسر هذا الحبل. ولكن كيف؟ ليس بالانتظار، وليس بالاستسلام لذلك “القدر المهني” الذي يبدو أنه مفروض. بل يجب أن نعيد بناء حياتنا المهنية من الداخل:
• ابدأ بإعادة الاتصال بالهدف الأسمى: لا تترك العمل يسرق حلمك. عليك أن تتذكر لماذا اخترت هذا المجال في البداية، وأن تجد السبب الذي دفعك للسعي وراء هذا الطريق.
• استفزاز الذات بالإبداع: ليس هناك حدود لإبداعك سوى حدودك أنت. حتى في أكثر المهام رتابة، يمكنك إيجاد طرق جديدة للابتكار، ليس فقط في عملك، بل في طريقة تفكيرك أيضًا.
• إعادة تعريف النجاح: لا تترك النجاح مقياسًا ثابتًا، بل اجعل له أبعادًا شخصية؛ أن تنجح في مهمتك، أن تحقق شيئًا يعيد لك شعور القيمة.
• افتح قنوات جديدة للتواصل: تحدث مع زملائك أو مع مديرك، فربما تكون هناك فرص لم تُكتشف بعد، أو طرق جديدة لتطوير مهامك.
لذا يمكن للموظف أن يتحرر من قيد التجمد، لكن ذلك يتطلب شجاعة لمواجهة خوف التغيير، وإرادة للتحدي. لأن التجمد الوظيفي، في جوهره، هو فقط دعوة غير مباشرة لإعادة اكتشاف الذات، وإعادة رسم الأفق المهني. قد يبدو ذلك صعبًا في البداية، ولكن المغامرة هي التي تُضفي على الحياة طعماً آخر، حتى في العمل.

واخيرا ًالعمل ليس مجرد عبور من نقطة إلى نقطة أخرى، بل هو رحلة من إعادة تشكيل الذات، وتحقيق تطلعات جديدة. التجمد الوظيفي لا يعني النهاية، بل هو فرصة لإيقاظ الروح المهنية التي قد تكون خمدت. عندما تتحدى نفسك، وتفتح الأفق، ستجد أن الحياة المهنية ليست سوى رحلة مستمرة نحو الأفق الأكثر إشراقًا.


التجمد الوظيفي ، الرتابة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع