مقال بعنوان- رمضان صور وأحوال
الدكتور نايف بن ناصر المنصور | Naif naseer almansoor
19/03/2024 القراءات: 740
عندما يفد إلينا هذا الشهر المبارك، شهر الخيرات، العبادة والعطاء، الشهر الذي فرض الله علينا صيامه. قال تعالى قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].وقال تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ * فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) البقرة 185، والذي استحب لنا سبحانه فيه النوافل بكافة أنواعها من الصلاة والصدقات وتلاوة القرآن الكريم، فيُعتبر هذا الشهر فرصة للدعوة والتقرب إلى الله عز وجل. يتضاعف الأجر والثواب فيه مما يدفع المسلمين إلى الاجتهاد، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» رواه النسائي، والمتأمل في أحوال الناس من حولنا فستقع عينه على عدة مشاهد واحوال متنوعة، فإنه من قبل أن يبدأ هذا الشهر الفضيل والناس يتسابقون في الأسواق لجمع ما لذّ وطاب من المأكولات والمشروبات حتى أصبح في أذهان الغالب في الجيل الأخير من الناس أن هذا الشهر ليس شهر رمضان والإمساك عن الأكل والشرب، وإنما هو مهرجان عرض المأكولات الحلويات!، وعندما يسمع أذان المؤذن لأذان المغرب يبدأ الإنسان بملء (بطنه!!) حتى يصاب بتخمة وخمول وكسل وبالكاد يقدر فيها على أداء صلاة المغرب مع الجماعة، ويستمر الوضع أيضاً إلى بعد صلاة العشاء والعجز عن أداء صلاة التراويح، وتغافل عن أمر الشارع الحكيم في ذلك بقوله تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّه لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (13) }سورة الأعراف، وجهل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه ولثلث لشرابه وثلث لنفسه). هذا الحديث الذي علّق على فائدته للبدن والمعين على العبادة. ابن القيم في كتابه زاد المعاد فقال رحمه الله: "وهذا من أنفع ما للبدن والقلب؛ فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب، فإذا ورد عليه الشراب ضاق عن النفس، وعرض له الكرب والتعب بحمله بمنزلة حامل الحِمل الثقيل، هذا إلى ما يلزم ذلك من فساد القلب وكسل الجوارح عن الطاعات وتحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع".
ومن الناس من يضع اهتمامه واستعداده لهذا الشهر في متابعة المسلسلات والبرامج الهابطة والحفلات الغنائية مما يعد فعل هذا الأمر حراماً في الشرع ومنكر، ولما يسببه في قسوة القلب ومرضها واستخفافها بشرع الله والتثاقل عن فعل الطاعات. قال تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتّخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين * وإذا تتلى عليه آياتنا ولّى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً فبشره بعذاب أليم ) سورة لقمان/6-7 ، ويقول سبحانه في سورة الفرقان في صفة عباد الرحمن : ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً ) الفرقان/72 ، فتفسير الزور في الآية يشمل جميع أنواع المنكر ، ومعنى لا يشهدون : لا يحضرون.
ومن الناس منهم على خير فعندما يدخل شهر رمضان المبارك نشاهدهم ولله الحمد يملئون المساجد لأداء الفروض الخمس، وكذلك لأداء صلاة التراويح وهذا شيء يثلج الصدر ويفرح القلب ولكن مع مرور ايام الشهر الكريم حتى نصل للعشر الأواخر من رمضان تبدأ الاعداد في التناقص في الحضور للمساجد ويظهر الملل والفتور وخاصة فئة الشباب رغم الحديث الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر. قالت عائشة رضي الله عنها ( ان النبي صلى الله عليه وسلم اذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليلة وأيقظ أهله) رواه البخاري. والعشر الأواخر بها ليلة القدر والتي هي خير من ألف شهر وفضل قيامها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان».
وتبقى الفئة الفائزة والمتقدمة على من سبقهم، هذه الفئة التي عودت نفسها على الطاعة والتقرّب إلى الله طوال العام. فالواحد منهم له ورده اليومي من القرآن الكريم طوال العام، وصيام الاثنين والخميس والأيام الفاضلة مثل عرفة وعاشوراء، وقيام الليل في منزله. فعندما يأتي رمضان يعتبر العمل فيه بالنسبة له عمل يسيراً وفرصة كبيرة للتزود من الطاعات والحصول على الأجر الكبير من الله الكريم، فتراه يستبشر بقدوم رمضان ويرتب نفسه ووقته فيزيد الوقت المخصص لتلاوة القرآن، ويبذل المزيد من الصدقات واعمال التطوع وصلة الأرحام، ويحترز أكثر عن كل ما يغضب الله في هذا الشهر الفضيل جاعلاً هذه الآيات محفزاً له على العمل قال تعالى﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ ﴾ [الحديد: 21]، وقوله تعالى ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ ﴾ [آل عمران: 133]، وقوله تعالى ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26]، ويدعو الله ويتضرع إليه بأن يختم الشهر على أفضل حال وعلى عمل متقبل مبرور، فانظر أخي القارئ إلى أي فئة تنتمي من الفئات الأربع؟ فإن كنت من الفئات الثلاث الأول فأسعى وادعو الله أن تكون من الفئة الرابعة، وإن كنت من الفئة الرابعة فاحمد الله واسأله الثبات والقبول.
رمضان-الطاعات-القيام-صيام
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة