في أربعينيات القرن العشرين طرح مالك بن نبي في كتابه "شروط النهضة" سؤاله المركزي عن أسباب تخلف المسلمين وسبل النهوض بهم. ورأى أن الأمة السؤال المركزي لم يطرح بعد، وأننا لم نتوجه إلى تشخيص المرض بل اتجهنا إلى أعراضه. وقد نتج عن هذا أن قادة الأمة وروادها منذ مائة عام لا يعالجون المرض، وإنما يعالجون الأعراض، وكانت النتيجة قريبة من تلك التي يحصل عليها طبيب يواجه حالة مريض بالسل، فلا يهتم بمكافحة الجراثيم، وإنما يهتم بهيجان الحمى عند المريض.
كما أنه حينما كتب "شروط النهضة" كانت معظم الدول الاسلامية خاضعة للاستعمار، مما جعل التفكير في النهضة يحمل تحدياً داخلياً وخارجياً بالنسبة لتلك المجتمعات. وكان التحرر من الاستعمار حلم راود جميع حركات التحرر في دول العالم الثالث، وداعب خيال الكثير من المفكرين والمثقفين في العالم الاسلامي.
غير أن مالك بن نبي طرح فكرة مختلفة، حيث نبه إلى أن "التحرر من الاستعمار" غير كاف، ولن يتحقق، ما لم نحقق "التحرر من القابلية للاستعمار". ذلك ان المرض الحقيقي الذي لم ننتبه له هو أن المرض الحقيقي لم يكن "الاستعمار" القادم من خارج ديارنا، بل في استعدادنا لقبوله والخضوع له، في "قبليتنا للاستعمار".
ولعل واقعنا اليوم يؤكد أطروحة مالك بن نبي هذه، خاصة وأن الاستعمار غادر جغرافيا العالم الاسلامي، لكن اوضاعنا الاجتماعية والثقافية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية ازدادت سوءا وتبعية. بل زاد الاستبداد والتخلف والقابلية للاستعمار بطرق أكثر تعقيدا. مما يدعونا إلى السعي إلى فهم أطروحة مالك بن نبي، في تركيزه على سؤال النهضة ومعوقاته الداخلية بشكل أساس.
وفي هذا السياق فإن هذه المداخلة تسعى إلى محاولة الاجابة عن مجموعة اسئلة من خلال قراءة فكر مالك بن نبي، والبحث عما يمكن الاستفادة من تراثه في الاجابة عن سؤال النهضة، وتفكيك تلك المعيقات والتوجه نحو التخلص من أسباب التخلف، وتحقيق النهضة.
بدران بن لحسن | Badrane Benlahcene | 12249