مدونة صلاح عبدالسلام قاسم الهيجمي


اللّسانيّات الخطابيّة عند بافو وسرفاتي (3)

صلاح الهيجمي | Salah Abdulsalam Qassim Alhaigami


22/06/2020 القراءات: 2884  


الأستاذ: صلاح عبدالسلام قاسم الهيجمي
أما الأول: التكوين الخطابي فهو نسق قيود التكوين الدلالي السليم. والثاني: المساحة الخطابية؛ وتعني مجموع الملفوظات المنتجة وفقاً لهذا النسق. والثالث: الخطاب؛ وهو العلاقة التي تجمع المفهومين السابقين من خلال مجموعة من الملفوظات الافتراضية التي يتم إنتاجها وفقاً لقيود التكوين الخطابي. وبعدها أقدم (مانغونو) على صياغة سبع فرضيات تشكل برنامجاً عملياً لتحليل الخطاب ومازال معمولاً به إلى اليوم سماها: (الخطاب والبيخطاب، والبيفهم/التفاهم، ونسق القيود، والقدرة البيخطابية، والممارسة الخطابية، والممارسة البيسيميائية، والانضواء السوسيوتاريخي)، ومذكّراً بأن أي تخصص قائم على دراسة الإنتاجات الأصلية.
ويفيدبافو وسرفاتي أن هذه التصورات والفرضيات تثبت أن تحليل الخطاب يتطوّر بتوازٍ مع تحول المتون وانبنائها، كما يتطور أيضاً في إطار العلاقة التي يعقدها المجتمع مع إنتاجاته الخطابية وخاصة في الأبحاث الخطابية التي عملت على التنظير للخطاب ولأجناس الخطاب ولمفهوم (الإيطوس) ووسائل إنتاج المعارف والمعتقدات كبناء الأيديولوجيات وإشكالية المعنى العام والخلفية السائدة، والأبحاث التي اهتمت بمواضع بناء الخطابات وتسمى بلغات السياسة أو خطاب المؤسسات (الكنيسة مثلاً أو الجيش) أو الخطابات الاجتماعية، والعلامات التلفظية والتنظيم الصوري، وخطاب نقل المعارف. ولا يتطور تحليل الخطاب إلا بتطور النص واكتسابه دلالة، فكأن النص والخطاب وجهان لعملة واحدة، ولا يستغني أحدهما عن الآخر.
ثالثًا: دلالة النصوص
ويوضح بافو وسرفاتي أنه في عام1989م أتى (فرانسوا راستييه) بأفكار تقول: إن النص هو موضوع اللسانيات الحق، ويواصل هذا المشروع تجميع علوم اللغة انطلاقاً من النص بجوار الإناسة الثقافية. وتطور فكر (راستييه) كنقاش ضروري متلائم مع بعض النماذج السائدة آنذاك؛ حيث يدافع عن البعد الرمزي للغة ضد محاولات ومماحكات النزعة الذهنية والتصورية، ويميل إلى جعل التأويلات في قلب علوم اللغة، ويلفت انتباهنا إلى أن اللسانيات التاريخية والمقارنة أسست مقارناتها على التحليل الصرف تركيبي، وأن الأنحاء الصورية المعاصرة قد زادت من صرامة هذه الأحكام وهذا التقييد كنماذج الإحالة والقصد والتأويل، منتقداً الكثير من العلوم والأنماط.
وعلى هذا النحو يعرّف (راستييه) النص بأنه متوالية لسانية تجريبية مثبتة تم إنتاجها ضمن ممارسة اجتماعية محددة ومثبتة على عماد معين. وهذا التعريف يؤدي إلى التطور النظري لدلالة النصوص ويؤسس لنظرية النص التي تشترط المزاوجة بين التفكير الشمولي والتفكير الخصوصي لموضوعها. وانطلاقاً من هذا التطور ومراجعة التمييز البنيوي يقوم (راستييه) بإعداد نظرية للمكونات الدلالية وبيّنها في مجاري نسق وظيفي (لهجي) ومعايير لهجة اجتماعية واستعمال لهجة فردية ثم ظاهرة متجلية في النص (مكتوب أو شفهي أو غير ذلك). وعند تناوله متطلبات دلالة النصوص يكتب أن المهام الرئيسة لدلالة النصوص تنتظم وفق خطوط متلاقية ثلاثة هي: إعداد دلالة موحدة لطبقات الوصف الرئيسة (كلمة وجملة ونص) وإعداد مقولات لتنميط النصوص (الأدبية والأسطورية والعلمية والتقنية)، وتطوير هذه النظريات الوصفية بارتباطها بالمعالجة الآلية للنصوص.
ويختم بافو وسرفاتي أن راستييه يقتصر على عرض أربعة من المبادئ النظرية على دراسة (مكونات مستوى المدلول)، وهي مبادئ فعالة في مستوى إنتاج النصوص وتأويلها على حد سواء وهي: المكون الموضوعاتي ويناظر تجميعاً مبنياً للسمات الدلالية، وبدوره يقوم بإدماج مكون المعنى المحوري. والمكون الجدلي ويعالج الفواصل الزمنية الممثَلة والتطورات المتلاحقة فيها، مدمجاً بذلك نظريات السرد، والمكون التحاوري ويؤسس لنمطية المتلفظين الممثَلين، واضعاً في الحسبان صيغة الوحدات الدلالية بالنسبة لطبقات التعقيد النصي كلها. والمكون التاكتيكي ويعنى بالتموضع الخطي للوحدات الدلالية بالنسبة لكل الطبقات. ويقول بأنه لا يمكن لسيميائية عامة إلا أن تكون تأليفية. وهو طموح نظري لدلالة النصوص يتمثل في تحديد أفق للبحث يؤطر انشغالات سيميائيات الثقافات باعتبار النص.
ونستنتج من هذا العرض أن اللسانيات الخطابية جميعها تهتم بالبعد عبر الجملي للمتلفظات. وهي مسارات بحث مهمة قسّمها المؤلف إلى: اللسانيات النصية وتحليل الخطاب ودلالة النصوص، وتستجيب لمطلب تجاوز رهانات اللسانيات المحصورة في موضوعات صرف تركيبية إلى فضاءات أوسع كأوساع النص والخطاب والدلالة.


النص، الخطاب، اللسانيات الخطابية.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع