مدونة د. اوان عبدالله محمود الفيضي
الاسلام دين الحق : قول وفعل
د. اوان عبدالله محمود الفيضي | AWAN ABDULLAH MHMOOD ALFAIDHI a
26/11/2020 القراءات: 5003
لقد صدق المثل " ان الرجل قول وفعل " اي يقول ويعبر عن داخله لينقله بصدق الى فعل وسلوك وعمل, فهو ليس صاحب قول وكلام فقط بل يعقبه عمل لما يؤمن به , فهو قول نابع عن ايمان بالقضية وعمل وسلوك ينم عن هذا الايمان .
والاسلام دين الله الخالد قول وفعل , فهو قول لأنه تعبير عما يكمن بالقلب من تصديق واعتقاد جازم واقرار باللسان والعمل بالأركان وهذا هو الايمان , فالقول عبارة عن تعبير عما يكمن في الباطن من معتقدات والمقصود به اي الايمان الراسخ بالله, وليس الايمان دعوى باللسان فحسب , فمن ادعى الايمان من غير ان ينطوي عليه قلبه فهو منافق والنفاق اقبح انواع الكفر, فمن شأن المنافق ان يخالف قوله فعله وسره علانيته ومدخله مخرجه ومشهده مغيبته , فهو يصدق بلسانه وينكر بقلبه ويخالف بعمله ويصبح على حال ويمسي على غيره , ويمسي على حال ويصبح على غيره, ويميل ميل السفينة كلما هبت الريح هبت معها.
وهكذا فالإسلام شطرين قول وفعل , اي ايمان وعمل , وهذا يدل على ان الايمان اخص من الاسلام لأنه شطره الاول , كما هو مذهب اهل السنة والجماعة, ويدل عليه حديث جبريل عليه السلام حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الاسلام ثم عن الايمان ثم عن الاحسان ...فترقى من الاعم الى الاخص ثم للأخص منه .
اما الشطر الثاني للإسلام وهو الفعل أي العمل الذي يتعلق بالمسلم نفسه مهما كان علمه وموقعه في المجتمع والحياة , والعمل لفظ عام يشمل الخير والشر, الا انه في الاطلاق يراد به عمل الخير او العمل الصالح النافع للناس - وهو مرادنا هنا - فهو يشمل كل ما في مجالات الحياة ابتداء" من النفس والاسرة والمجتمع وعلى جميع الاصعدة , ولا يمكننا تحديده بمقدار محدد او بشكل او صورة بعينها , فعمل الخير واسع بمفهومه يشمل كل عمل مهما كان صغيرا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" رواه مسلم.
وقد ربط الله بين شطري الاسلام, الايمان والعمل في قوله تعالى( ان الذين امنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ) الكهف/ 107-108, كما ندد جل وعلا ايضا بالفصل بين الايمان والعمل والتفريق بين القول والعمل في قوله تعالى(يا ايها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولو ما لا تفعلون ) الصف/ 2-3, وفي هذا ينبغي ان يكون المسلم صادقا بعدم مخالفة القول والايمان للعمل وان يطابق العمل الصالح حقيقة الايمان الباطن, فالإيمان عبارة عن صلة بين المسلم وربه وبه حلاوة لا يعرفها الا من ذاقها وهو اول علامات السعادة وبه ارتقى المؤمنون الاولون في معارج الكمال, فالإيمان يجمع خصال الخير ويتفرع منه كل خصال الخير, لأنه شجرة تتفرع عنها الاعمال الصالحة ,وكل عمل صالح وخلق كريم شعبة منها وثمرة من ثمراتها , ولعظم مكانة الايمان فقد جعله الله اساس قبول الاعمال فلا عمل مقبول الا من بعد الايمان قال جل جلاله ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر او انثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة )النساء/ 124, لذا فان للإيمان مكانة رفيعة عند الله فقد ذكره في القرآن الكريم بين الدعوة اليه والثناء عليه والوعد الصالح للمؤمنين في اكثر من اربعين وثمانمئة مرة .
اما العمل فهو الاساس في العلاقة بين الناس لأنه لامجال للحكم على المسلم لمجرد القول وادعاء الاسلام والايمان , فالحياة ساحة لتقديم الاعمال وفعل الخير وتقديم النفع فهي مزرعة الاخرة وان المسلم ليرتقي المكانة الراقية في الحياة الدنيا ويحظى بالفوز بالآخرة بمقدار ما يقدمه من عمل صالح امتثالا لقوله تعالى( ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون ) الانعام/ 132, فالعمل هو الثمرة والاساس في هذه المعادلة المطروحة وهو سبيل النجاة والفوز بالجنة ومرضاة الله , لان الجزاء حتما سيكون من جنس العمل قال تعالى: ( وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم) النور/ 55.
وبهذا يمكننا ان نستخلص من هذه القراءات العلمية المتواضعة دعوتنا المتكررة الى ضرورة الايمان بالله تعالى والعمل الصالح لان هذا هو الاسلام دين الحق , وان يترجم الايمان الى سلوك وعمل فعلي , وان يكون صادقا بقرارة نفسه بعدم مخالفة العمل والقول والايمان وان يطابق عمله الصالح حقيقة ايمانه الباطن ونيته الخالصة لله, فالإيمان والعمل توأمان فلا يتم ايمان الا بالعمل الصالح وقد قرن الله بينهما في القرآن الكريم ستين مرة فجاء في قوله تعالى( فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى ان يكون من المفلحين) القصص/ 67, فالإيمان والعمل قرينان لا يصلح كل واحد منهما الا مع صاحبه الاخر, وكما ورد بالحديث الشريف " الايمان والعمل اخوان شريكان في قرن واحد لا يقبل الله احدهما الا بصاحبه " رواه الحاكم , كما ان الايمان ليس بالتمني – أي التشهي – ولا بالتحلي – يعني التزين بالقول– ولكن هو ما وقر في القلب وصدقه العمل , فالإيمان بالله ورسوله يستتبع العمل بكل ما امر الله تعالى به وما امر به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من عقائد وعبادات ومعاملات واخلاق... والايمان بأهوال يوم القيامة يستدعي البعد عن اسباب تلك الاهوال , والايمان بالجنة يستدعي العمل الموصل اليها , والايمان بالنار يستدعي الهرب مما يؤدي اليها .
وهذا يقودنا بالضرورة الى البحث عن العلة والداء والدواء , فعلة المسلمين اليوم هو ضعف ايمانهم واذا ضعف الايمان بالأمة ضعفت الفضائل لأنها من ثمرات الايمان , والمجتمع الاسلامي بنظرنا داؤه هو ضعف الايمان ودواؤه العودة الى الايمان الصادق واليقين الذي كان عليه المسلمون الاولون , وان الانسانية الحائرة المعذبة الضالة لم ولن تجد دواءها وهداه الا في ظلال الايمان وانه لا يصلح اخر هذه الامة الا بما صلح عليه اولها , وهو الايمان بالله تعالى والعمل الصالح النافع للإنسانية.
( الاسلام قول فعل دين الحق)
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع