مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو
عليكُم بالجماعَةِ، والجماعة ما وافق الحق (1)
الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU
19/10/2024 القراءات: 57
عليكُم بالجماعَةِ، والجماعة ما وافق الحق
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عليكُم بالجماعَةِ وإيَّاكُم والفُرقةِ فإنَّ الشَّيطانَ مع الواحدِ وهو مِن الاثنينِ أبعدُ ومَن أراد بَحْبَحَةَ الجنَّةِ فعلَيهِ بالجمَاعةِ) [رواه الترمذي].
والجماعة هنا لها معنيان:
الأول: الحق، وهو أقوى معانيها، فقوله عليكم بالجماعة أي: عليكم بالتمسك بالحق، والْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ، ولذلك قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنـه: (الجماعة ما وافق الحق وإن كنتَ وحدك) [رواه الإمام البيهقي في كتاب المدخل].
الثاني: الأمر بلزوم الجماعة المحافظة على الثبات على دين الإسلام أي الالتزام بدين المسلمين، لأنه جاء في الحديث الصحيح: (لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بإحْدَى ثَلاثٍ: النَّفْسُ بالنَّفْسِ، والثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَة) [رواه البخاري ومسلم].
قال الحافظ ابن حجر في شرحه في فتح الباري: 12/201: "والمراد بالجماعة: جماعة المسلمين أي: فارقهم أو تركهم بالارتداد".
وقال العلامة المحدث المناوي رحمه الله تعالى في (فيض القدير شرح الجامع الصغير:3/79):
"(فليلزم الجماعة) فإنَّ من شذَّ أي انفرد بمذهبه عن مذاهب الأمة فقد خرج عن الحق لأنَّ الحق لا يخرج عن جماعتها، قال الغزالي: ولا تناقض بين هذا وبين الأخبار الآمرة بالعزلة: الزم بيتك وعليك بخاصة نفسك؛ لأنَّ قوله (عليكم بالجماعة) الخ يحتمل ثلاثة أوجه، أحدها: أنه يعني به في الدين والحكم إذ لا تجتمع الأمة على ضلالة، فخرق الإجماع والحكم بخلاف ما عليه جمهور الأمة والشذوذ عنهم ضلال، وليس منه من يعتزل عنهم لصلاح دينه، الثاني: عليكم بالجماعة بأن لا تنقطعوا عنهم في نحو الجمع والجماعات؛ فإنَّ فيها جمال الإسلام، وقوَّة الدين، وغيظ الكفار والملحدين، الثالث: أنَّ ذلك في زمن الفتنة للرجل الضعيف في أمر الدين".
وقال الإمام الحافظ أبو شامة وهو من شيوخ الإمام النووي رحمهما الله تعالى في أوائل كتابه (الباعث على إنكار البدع والحوادث: 22):
"وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه وإن كان المتمسك بالحق قليلاً والمخالف كثيراً...".
فالجماعة إذن ليست كما يدّعي بعض الناس اليوم من وجوب التمسك بالكثيرين المخطئين، وقد قال الله تعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116]، مع ترك القليل المصيب، وقد قال الله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13].
بل الضابط هو التمسك بالإسلام الذي هو الحق، أي: التمسك بأصول الأدلة التي يرجع إليها عند التنازع وهي الكتاب والسنة، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء:59].
فالضابط للمسلم كما ترى هو الرجوع للشرع لا الركون للجماعة وتسويغ أخطائها وتغطيتها بقول القائل: (عليكم بالجماعة)، إذ ليست الجماعة بالأكثرية العددية مع وجود المخالف وإنما الضابط هو الحق.
عليكُم بالجماعَةِ، الحق، الفرقة، الحق أحق، فليلزم، الجماعات
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع