الشيء يُعرف بغيابه: كيف تُساعدنا الفجوات في الفهم على التمييز بين المفاهيم؟
سفيان خلوفي | soufyane kheloufi
14/03/2025 القراءات: 32
تُعدُّ المقولة الشهيرة "الأشياء لا تعرف بضدها بل تعرف بغيابها" من أبرز الحكم التي تُمكّننا من النظر إلى الأمور من زاوية مختلفة. فبدلاً من أن نعرف الشيء من خلال وجود ضده أو نقيضه، نجد أنه يمكننا التمييز بين الأشياء عندما نلاحظ غياب أو نقص شيء ما فيها. هذه الفكرة تتجاوز المجال الفلسفي لتصل إلى مجالات علمية وتطبيقية عديدة، حيث يُظهر غياب شيء ما أو نقصه بشكل واضح أبعادًا جديدة وقيّمة لفهم المفاهيم بشكل أعمق.
في علم المعرفة، عندما نرغب في فهم حقيقة أو مبدأ ما، نجد أن الغياب يلعب دورًا محوريًا في تحديد ماهيته. على سبيل المثال، عندما نتحدث عن الظلام، لا نعرفه فقط من خلال تعريفه في مقابل الضوء، بل من خلال غياب الضوء نفسه. من خلال هذا الغياب، ندرك تمامًا تأثيره في حياتنا اليومية وكيف يُغيّر من رؤيتنا للأشياء من حولنا.
في علم الفيزياء، تُعدّ فكرة "الفراغ" مثالاً ممتازًا على كيفية تعريف الأشياء من خلال غياب شيء آخر. فبغياب المادة في الفراغ، يمكن للعلماء دراسة الظواهر التي لا يمكن أن تحدث في وجود المادة، مثل حركة الضوء في الفراغ أو تأثيرات الجاذبية في غياب العوامل المؤثرة الأخرى. في هذه الحالة، يُسهم غياب المادة في تمكين العلماء من فهم قوانين الكون بشكل أفضل.
وفي مجال الطب، تُعدّ الأمراض خير مثال آخر على فهم الأشياء من خلال غيوبها. لا يُفهم مفهوم الصحة بشكل دقيق إلا عندما نعرف ما تعنيه الأمراض والأعراض المرتبطة بها. من خلال غياب الصحة، تتضح المعالم التي تحدد الفروقات بين حالتي المرض والعافية.
في علم النفس، تلعب الغيوب أو "الثغرات" دورًا أساسيًا في تشكيل التصورات والتوجهات الذهنية لدى الإنسان. مثلاً، يمكن تفسير القلق أو الخوف من خلال الفهم العميق لما يُعتبر غيابًا للراحة أو الاستقرار النفسي. فالتوتر الذي يعاني منه الشخص يمكن أن يُفسّر كنتيجة لفقدان الشعور بالأمان أو غياب اليقين.
وأحد التحديات الأساسية في تطبيق هذه الفكرة في مختلف المجالات العلمية والتطبيقية هو تحديد ما إذا كان غياب شيء ما يمكن أن يكون دليلاً قاطعًا على وجوده في حالة معينة. ففي بعض الأحيان، قد يؤدي غياب الظاهرة إلى فرضيات مغلوطة أو استنتاجات غير دقيقة. لذلك، تتطلب الدراسة العميقة للغياب وأثره في الفهم العلمي دقةً وحذرًا شديدين.
إن فكرة أن الأشياء تُعرف بغيابها تتطلب منا التفكر العميق في كيفية دراسة الظواهر والمفاهيم. في العالم العلمي، الفجوات أو الغياب يمكن أن يكشف لنا أبعادًا جديدة لفهم الحقائق وتفسير الظواهر. لهذا السبب، نحن بحاجة إلى تبني هذه الرؤية بتمعّن والاعتراف بأهمية العيوب في تشكيل الفهم العلمي والعقلي للأشياء.
الإختلاف، الغياب، الحضور، التعريف
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف