مدونة د . محمد ابراهيم حسن عثمان


صفحات مشرقة لالتقاء الإبداع العلمي والخلق القويم

د . محمد ابراهيم حسن عثمان | Dr.Mohamed Ibrahim Hassan Othman


25/11/2020 القراءات: 2952  


( صفحات مشرقة لالتقاء الإبداع العلمي والخلق القويم ) دراسة تطبيقية على معجم جمهرة اللغة لابن دريد هو أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد المتوفى ( 321 ه ) ، تأدب وتعلم اللغة وأشعار العرب، وعرف عن ابن دريد أنه حافظ للشعر، وكان ذا بصر بالشعر، ومقصورته (المقصورة الدريدية )خير دليل على هذه المنزلة، وله أشعار كثيرة رواها القالي في أماليه، وذكره الزجاجي وغيره، وهي تدل على جودة القريحة، ورقي الخيال، والبعد عن الافتعال ووصفه بعضهم : أنه أشعر العلماء وأعلم الشعراء. وعن إنتاجه العلمي فكان عزيز الإنتاج، فقد ترك عدداً كبيراً من المؤلفات في اللغة والأدب. وفي ميدان المعاجم اللغوية يستطاع أن يقال: إنه من مصنفي معاجم الموضوعات ومعاجم الألفاظ. فله من النوع الأول: كتاب السرج واللجام، وكتاب صفة السحاب والغيث، وكتاب الأنواء، و كتاب الخيل الكبير والخيل الصغير، وكتاب السلاح. وله من النوع الثاني “جمهرة اللغة” وله كتاب الاشتقاق والمجتنى. أدب وخلق ابن دريد مع العلماء : ذكر ابن دريد العلماء ومدحهم وأثنى على مكانتهم ، وترضى على الخليل ابن أحمد فقد بدأ بمقدمة طويلة ونوَّه وأشاد فيها بالخليل بن أحمد صاحب معجم العين وبمعجمه، فيقول: “ولم أجر في إنشاء هذا الكتاب إلى الإزراء بعلمائنا ولا الطعن في أسلافنا وأنى يكون ذلك، وإنما على مثالهم نحتذي وبسبيلهم نقتدي، وعلى ما أصَّلوا نبني، وقد ألف أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفرهودي ـ رضوان الله عليه – (كتاب العين) فأتعب من تصدى لغايته، وعنى من سما إلى نهايته، فالمنصف له بالغلب معترف، والمعاند متكلف، وكل من بعده له تبع أقر بذلك أم جحد" ونلاحظ في هذا النص تواضع ابن دريد إذ اعترف بجهد العالم اللغوي السابق الخليل بن أحمد، الهدف من تأليف معحم جمهرة اللغة : وأشار أيضاً في النص إلى السبب الذي دفعه لكي يقوم بوضع كتابه الجمهرة، إذ توجد صعوبة في طريقة الخليل في معجمه،فيقول:” فأتعب من تصدى لغايته، وعنى من سما إلى نهايته” ويقول أيضاً: "ولكنه ـ رحمه الله ألف كتاباً مشاكلاً لثقوب فهمه، وذكاء فطنته، وحدة أذهان أهل دهره، وأملينا هذا الكتاب والنقص في الناس فاشٍ والعجز لهم شامل…. فسهلنا وعره ووطأنا شأزه” . ولكن الهدف الرئيس من تأليف هذا المعجم ذكره ابن دريد في أكثر من موضع في جمهرته، فأراد به حشد الجمهور من كلام العرب، وإرجاء الوحشي المستنكر، واختار اسم الجمهرة لمعجمه انطلاقاً من هذه الرؤية.فيقول: “وإنما أعرناه هذا الاسم لأنا اخترنا له الجمهور من كلام العرب، و أرجأنا الوحشي المستنكر” منهجه في الجمهرة: برغم إجلال ابن دريد للخليل ولسائر العلماء المتقدمين لم يرق له ترتيب معجمه على حسب مخارج الحروف أوالترتيب الصوتي ، فكان منهجه أنه :سار في طريقتين: 1 ــ تتمثل في ترتيبه للمفردات بطريقة الترتيب الألفبائي، لا الترتيب الصوتي ، فيقول ابن دريد في المقدمة: “وأجريناه على تأليف الحروف المعجمة إذ كانت بالقلوب أعبق، وفي الأسماع أنفذ، وكان علم العامة لها كعلم الخاصة، وطالبها من هذه الجهة بعيداً من الحيرة مشفيا على المراد" وكان هذا نقدا مهذبا لطريقة الخليل، فهي طريقة فيها صعوبة ومشقة ،لا يتم بها الاهتداء إلى مظان الألفاظ إلا بعد جهد" .2 ــــ اعتمد في عرض المادة على تقليب الحروف كما هو معروف في الاشتقاق الكبير مثلا مادة عبد تقلب إلى ستة أوجه : ( ع د ب، ع ب د، د ع ب، د ب ع ، ب ع د، ب د ع ) ويرى ابن دريد بأن الخليل قد وضع نهجا عاما في تأليف المعاجم، فقد حدد معالم المعجم من حيث استيعابه لمفردات اللغة، فالخليل هو المبدع الأول أي هو الأصل وغيره فرع عليه . على كل حال، فهدف ابن دريد هدف جليل فهو يريد التسهيل على القراء في معرفة معان مفردات اللغة دون عناء ومشقة. سبب تسمية الكتاب ( جمهرة اللغة): قَالَ ابن دريد : وَإِنَّمَا أعرناه هَذَا الِاسْم لأَنا اخترنا لَهُ الْجُمْهُور من كَلَام الْعَرَب وأرجأنا الوحشي المستنكر، وَالله المرشد للصَّوَاب. ابن دريد عالم مبدع: وهنا نلاحظ الدور المبدع الذي قام به ابن دريد في العمل المعجمي، فكان مجدداً ومبتكراً بمحاولته تسهيل طريقة البحث عن معاني المفردات، وأدى هذا التجديد إلى التأثير في أصحاب المعاجم اللاحقين، ويبدو هذا التجديد فيما يلي: 1-رتب الخليل أصول الألفاظ بحسب مخارج الحروف بينما ذهب ابن دريد إلى نهج مخالف، حيث رتب الألفاظ بحسب النظام الألفبائي. 2-كان الخليل يراعي أواخر الأصول، بينما مال ابن دريد إلى مراعاة أوائل الأصول. فكانت محاولته محاولة جديدة، ففتحت أمام الآخرين أبواب التسهيل “غير أن رائده الأول، الخليل بن أحمد، سلك مسلكاً وعراً في وضع المعجم، فرغب ابن دريد في تذليل الوعر وتيسير الصعب ولهذا يعد كتاب الجمهرة تطوراً تالياً لمعجم العين. وليس من المغالاة إذا قلنا: إن ابن دريد صاحب الفضل في تدعيم النظام الألفبائي في فن صناعة المعجم "وهو الذي منحه ما يشبه الشرعية في وضع المعاجم من بعده" ويلاحظ من خلال المعجم الأمانة الدقيقة التي كان يتحلى بها ابن دريد، فحينما يذكر المعاني يذكر أسماء الرواة والعلماء وكتبهم التي اعتمد عليها، فنراه يذكر الخليل و أبو حاتم و أبو عبيدة، وإذا لم يعرف مصدرها يقول: (لَا أَدْرِي مَا صِحَّته ). وهكذا نجد ابن دريد كان مبدعا مع أدب جم وخلق رفيع . يتبع


ابن دريد ، إبداع ، جمهرة اللغة ، أدب


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع