مدونة عبدالحكيم الأنيس


آمال العلماء في خدمة العلم (1)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


18/01/2025 القراءات: 108  


للعلماء آمال كبيرة في خدمة العلم والدين، وما كانت تخطرُ لهم خاطرة إلا شرعوا في تنفيذها، أو دوَّنوها على أمل الرجوع إليها، أو ذكروا رغبتهم في القيام بها، وقد يدركهم الأجلُ وما زالت لديهم مشروعات كثيرة لم تكتمل، أو لم يشرعوا بعدُ فيها، ولو أردنا أن نذكر ما بدأه العلماء ولم يتموه لطال بنا الأمر، وكل ذلك يدخل في الآمال العلمية.
وهذا مقالٌ يذكر أطرافًا من هذه الآمال .
وقال الحافظ ابن حجر:
«قال ابنُ الجوزي: الأمل مذموم للناس إلا للعلماء فلولا أملُهم لما صنّفوا ولا ألّفوا.
وقال غيرُه: الأمل مطبوع في جميع بني آدم ... لا يزال قلب الكبير شابًّا في اثنتين: حب الدنيا وطول الأمل. وفي الأمل سر لطيف لأنه ‌لولا ‌الأمل ما تهنى أحد بعيش، ولا طابت نفسه أن يشرع في عمل من أعمال الدنيا، وإنما المذموم منه الاسترسال فيه، وعدم الاستعداد لأمر الآخرة، فمَن سلم مِن ذلك لم يُكلف بإزالته» .
***
-قال ابنُ خلكان في ترجمة الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت: 170هـ):
«مات بالبصرة، وكان سببُ موته أنه قال: أريدُ أن أقرِّبَ نوعًا من الحساب تمضي به ‌الجاريةُ إلى البيّاع فلا يمكنُه ظلمُها، ودخل المسجدَ وهو يُعمل فكره في ذلك، فصدمته ساريةٌ وهو غافلٌ عنها بفكره، فانقلب على ظهره، فكانت سببَ موته، وقيل: بل كان يقطع بحرًا من العروض» .
***
-وجاء في ترجمة الإمام الطبري (ت: 311هـ):
"ومِنْ جياد كتبه كتابه المُسمَّى بـ «كتاب أدب النفوس الجيدة والأخلاق النفيسة»، وربما سمّاه بـ "أدب النفس الشريفة والأخلاق الحميدة"، وربما زاد في ترجمته: المشتمل على علوم الدين، والفضل، والورع، والإخلاص، والشكر، والكلام في الرياء والكبر، والتخاضع والخشوع، والصبر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وبدأ فيه بالكلام في الوسوسة، وأعمال القلوب، ثم ذكر شيئًا كثيرًا من الدعاء، وفضل القرآن، وأوقات الإجابة ودلائلها، وما رُوي من السُّنن وأقوال الصحابة والتابعين في ذلك.
وقطعَ الإملاءَ في بعض الكلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان ما خرّج نحو خمس مئة ورقة، وكان قد عمل أربعة أجزاء ولم يُخرجها إلى الناس في الإملاء، ووقع ذلك إلى أبي سعيد عمر بن أحمد الدينوري الوراق، وخرج به إلى الشام فقُطع عليه ولم يبق معه إلا جزءان فيهما الكلامُ في حقوق الله الواجبة على الإنسان في بصره، والحقوق الواجبة في سمعه.
وكان ابتدأ في سنة عشر وثلاث مئة، ومات بعد مُديدةٍ من قطعه الإملاء، وكان يقول: إنْ خرج هذا الكتابُ ‌كان ‌فيه ‌جمالٌ، لأنه كان أراد أنْ يخرج بعد الكلامَ في الحقوق اللازمة للإنسان إلى ما يُعيذنا منه من أهوال القيامة وشروطها وأحوال الآخرة وما ورد فيها. وذكر الجنة والنار" .
وجاء في ترجمته أيضًا:
«وأراد أن يعمل كتابًا في القياس فلم يعمله.
قال أبو القاسم الحسين بن حبيش الوراق: كان قد التمس مني أبو جعفر أن أجمع له كتب الناس في القياس، فجمعتُ له نيّفًا وثلاثين كتابًا، فأقامتْ عنده مديدة، ثم كان من قطعه للحديث قبل موته بشهور ما كان، فردَّها عليَّ وفيها علاماتٌ له بحُمرةٍ قد علَّم عليها» .
***
-وقال العمادُ الأصفهاني (ت: 597هـ) يذكرُ مكاتبات القاضي الفاضل عبدالرحيم البيساني:
«والمكاتباتُ الفاضلية منه إليَّ، والإجاباتُ مني إليه كثيرة، وفواضلُه فيه غزيرة، ومطالعُ مطالبي بها منيرة، ولو أوردتُها جميعَها، لم أستوعبْ في الشكر صنيعَها، لكني في العمر بالمهل [كذا] أفردتُ لها كتابًا بل روضًا لا يُلقى لنضيره نظير، ولا يُنسب لملكٍ إلا السرور به سدير» .
***
-وقال سبطُ ابن الجوزي في ترجمة جدِّه أبي الفرج ابن الجوزي (ت: 597هـ):
«جلس جدِّي يوم السبت سابع شهر رمضان تحت (تُرْبة أُمِّ الخليفة) المجاورة لمعروف الكَرْخي [قلتُ: تُعرف اليوم بتربة زبيدة، والصواب: تربة زمرد خاتون، وهي أم الخليفة الناصر لدين الله، وقد زرتُها مرارًا]. وكنتُ حاضرًا، فأنشد أبياتًا، وقطع عليها المجلس، وهي:
‌اللهَ ‌أسألُ ‌أَنْ ‌يطوِّلَ مُدَّتي … وأنال بالإنعام ما في نِيَّتي
لي همةٌ في العِلْم ما في مِثْلها … وهي التي جَنَتِ النُّحولَ هي التي
خُلِقَتْ من القلق [كذا] العظيم إلى المُنى … دُعِيَتْ إلى نَيلِ الكمال فَلَبَّتِ
كم كان لي مِنْ مجلسٍ لو شُبِّهَتْ … حالاتُهُ لتشبَّهَتْ بالجَنَّةِ
أشتاقُهُ لما مَضَتْ أيَّامُهُ … عَطَلًا وتُعْذَرُ ناقةٌ إنْ حَنَّتِ
يا هَلْ لليلاتٍ بجمعٍ عودةٌ … أم هَلْ على وادي مِنًى مِنْ نَظْرَةِ؟
قد كان أحلى من تصاريف الصَّبا … ومن الحَمَامِ مُغَنِّيًا في الأيكةِ
فيه البديهاتُ التي ما نالها … خَلْقٌ بغير مخمَّرٍ ومبيَّتِ
برجاحةٍ وفصاحةٍ وملاحةٍ … يقضي لها عدنانُ بالعربيةِ
وبلاغةٍ وبراعةٍ ويراعةٍ … ظنَّ النَّباتيْ أنها لم تَنْبُتِ
وإشارةٍ تُبْكي الجُنَيدَ وصحبَهُ … في رِقَّةٍ ما قالها ذو الرُّمَّةِ
ونزل من المنبر، فَمرِضَ خمسةَ أيام، وتوفي ليلة الجمعة بين العشاءين في داره بقَطُفتا» .
***
-وقال أبو شامة في ترجمة ابن معطي (ت: 628هـ): إنه كان قد نظم أرجوزة في القراءات السبع، ونظم ألفاظ "الجمهرة"، وكان قد عزم على نظم "صحاح الجوهري"» .
***
-وقال المؤرخُ تاجُ الدين علي ابن الساعي البغدادي (ت: 674هـ) في آخر كتابه "أخبار الزهاد":
"هذا ما تيسَّرَ جمعُه من أخبار الصالحين الزُّهاد، والعارفين العُباد، والأولياء المقربين الأفراد، على ما شرطتُه، حسب ما وصل إليَّ، وسهّله الله تعالى عليَّ، وإنْ فسح الله تعالى في الأجل، وبلغ الأمل، سأتبعه بما شابهه، ليعم نفعُه، ويتضاعف أجرُه، إن شاء الله تعالى".
وكان هذا الكتاب آخر مؤلفاته ولم يتحقق أمله.
قال ابنُ كثير في ترجمته:
«وآخرُ ما صنَّف كتابٌ في الزهاد، كَتب في حاشيته زكي الدين عبدالله بن حبيب الكاتب:
ما زال تاجُ الدين طولَ المدى … مِن عمره يُعنق في السيرِ
في طلب العلم وتدوينهِ … وفعلُه نفعٌ بلا ضيرِ
علا عليٌّ بتصانيفهِ … ‌وهذه ‌خاتمةُ ‌الخيرِ» .
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع