مدونة د. محمد سلامة الغنيمي


الهزيمة النفسية ولغة الهوية: رحلة في أعماق العقل واللغة

د. محمد سلامة غنيم | Dr. Mohammed Salama Ghonaim


07/02/2025 القراءات: 9  




هل يمكن أن تكون الهزيمة النفسية والشعور بالنقص نتاجَ أزمةٍ لغوية؟! هذا السؤال يفتح البابَ لتأمل العلاقة الجوهرية بين اللغة وتكوين العقل والإرادة، كما أشار إلى ذلك الإمام ابن تيمية حين قال: «واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيراً قوياً بيناً، ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق». فليس اللغة مجرد أداة تواصل، بل هي وعاء للفكر، ومحرك للوجدان، وبوصلة للهوية.

وقد أكدت دراسات علم النفس الحديث وعلم الاجتماع ما تنبأ به ابن تيمية قبل قرون، حين كشفت أن اللغة تشكّل البنيةَ العقليةَ للفرد، وتُنمّي قدراته التحليلية والإبداعية. بل إن التاريخ يحكي أن دول الاستعمار، حين لاحظت تفوّق الشاب المسلم في القدرات العقلية مقارنةً بنظيره الغربي، عقدت مؤتمراتٍ لدراسة هذه الظاهرة، فخلصت إلى أن سرَّ التميز يكمن في إتقان اللغة العربية بثرائها المفاهيمي، فسعت إلى تضييق فرص تعلمها، وخلق العراقيل لطمسها، في محاولةٍ لقطع الصلة بين المسلم وتراثه الفكري.

ولعل السؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما السرُّ الكامن في اللغة العربية التي جعلتها هدفاً لمثل هذه المخططات؟ الجواب يتجلّى في ثرائها اللغوي الفريد، فهي تحوي أضعافَ ما تحويه اللغات الأجنبية من المفردات والتعابير، مما يمنح العقلَ مرونةً فائقة في التفكير، وقدرةً على التعبير الدقيق عن أدق المشاعر والأفكار. فهل جربتَ ذات يوم أن تُفكّر بفكرةٍ معقدة، ثم وجدت نفسك عاجزاً عن صياغتها بوضوح؟ هذا العجز ليس ضعفاً في الفكرة ذاتها، بل هو مؤشر على حاجة العقل إلى تمرين لغوي يُنشط مداركه، ويوسع آفاق تعبيره.

إن التحدي الحقيقي ليس في تعلّم اللغة فحسب، بل في إحياء دورها كجسرٍ بين الماضي والحاضر، وكسلاحٍ ضد محاولات التغريب والتبعية الفكرية. فبقدر ما نعمق ارتباطنا بلغتنا، نصنع مناعةً ضد الهزيمة النفسية، ونرسي دعائمَ ثقةٍ تنتشلنا من مستنقع النقص الوهمي. اللغة العربية ليست مجرد حروفٍ تُكتب، بل هي هويةٌ تُحفظ، وعقلٌ يُبنى، وأمةٌ تُقاوم.


تربية، فكر، نهضة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع