المرآة... كنز القيم بين بقايا الماضي وأمل الغذ
16/12/2023 القراءات: 729
المرآة...كنز القيم
منذ مدة ليست بالقصيرة، لم يحالفني الحظ، لأتذكر نفسي وأرى وجهي في مرآة الحائط، المعلقة دوما عند مدخل المنزل، قد يكون النسيان مجرد رتابة حياة، أو عدم الشعور باضمحلال وهج النور وسرعة الأيام، أو قد يكون لا شيء من ذلك، فيكون لحظة قدر لم يحن وقتها إذاك.
لم يكن في الحسبان اليوم، وأنا أتفحص وجهي بأدق تفاصيله بمرآة الحلاق، أن هذا الوجه لم يعد شخصا يشبهني، بل فقط آثارا من الماضي تظهر بين جفون التجاعيد، وكلمات معقدة تنطقها العينان، وسيل من أسئلة، بديهية وفكرية، تطرحها ملامح تعلوها سحب ضبابية.
لم أكن أندهش حينما كانت المرآة رفيقتي خلال سنوات العصامية، حينما كانت الرياح تشق طريقها نحو الغذ المشرق، مع انتظار فلج الفجر كل صباح، مع شُعَلٍ متقدة، والسير ليلا لنبراس نور يبعث أملا هناك.
لكن اليوم، كانت رؤيتها لحظة فارقة، أبانت بحق أننا في حاجة ماسة ويومية للنظر، بتمعن وروية وطول نظر، إلى هذه العاكسة و قراءة الأزمنة، بحكمة وتبصر، فمهما كنت إجتماعيا أو منطويا، غنيا أو فقيرا، صغيرة أو كبيرا، رجلا أومرأة، فلن تعرف نفسك، ولن تعرف قدر نفسك، إلا أمام نفسك في مرآة الحقيقة، لن ترى شخصا آخر إلا شخصك، فتسأل نفسك، دون خجل ودون خوف، أسئلة قد تكون محرجة كثيرا أمام الغير، وقد تكون طابوها، وقد تكون سرا، بينك وبين الله، أو بينك وبين الآخر، لن تمنح نفسك سوى أجوبة صادقة، حقيقية وبديهية، ستحاول التبرير لأمور عدة، لن تستطيع، لا شيء يمنعك من قول الحقيقة.
ستعترف، تلقائيا، بأن هناك العديد من الأمور فعلتها لم يكن عليك القيام بها، وأمورا كثيرة لم تفعلها كان عليك أن تفعلها، ستحاول إرجاع سيناريو الأيام لتوقف عجلة الساعة، لن تستطيع، ستحاول تغيير أمور من الماضي لتوافق الحاضر، لن تستطيع، ستحاول أن لا تكبر لكنك تشيخ أمام عينيك، ستندم لأمور وأمور، نعم ستندم، لكنك صدقا تعلم أن الندم على الماضي عرقلة للمستقبل وضياعه، لن يبقى أمامك خيار إلا أن تؤمن أن ما مضى، خيرا أو شرا، سحرا أو حسرة، سعادة أو حزنا، هي تجربة وبرهان أنك قويا كفاية لتقف شامخا أمام المرآة، لتعلن لنفسك بنفسك أن الغذ أمل وأن الأمل صبر، وأن الصبر مفتاح الفرج.
حينما تقف أمام المرآة، ستتكلم الأنا الأعلى، ستسألك عن كل القيم، عن الظلم إذا ظلمت أو ظُلِمت، عن الخذلان إذا خذلت أو خُذِلت، عن السعادة إذا سعدت أو أُسعِدت، عن الاحترام إذا احترمت أو احتُرِمت، عن النسيان إذا نسيت أو نُسِيت، عن الغدر إذا غدرت أو غُدِرت، ستسألك عن صدقك وإخلاصك، عن مبادئك وقناعاتك، عن حبك ومحبتك...
لن تخجل من الإجابة، لن تقول إلا الحق والحقيقة، ستنتصر لنفسك بنفسك، في وقت ينكشف فيه الستار وتتضح الرؤيا وتنهار الأعذار ويصبح الاعتراف سيد الموقف، دون خجل ودون خوف.
المرآة، القيم، الصدق
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة