مدونة د محمد ايت عدي


مفهوم السياسة والدولة والحكم:

الدكتور محمد ايت عدي | Dr MOHAMMED AIT ADDI


01/10/2020 القراءات: 1843  



هذه المصطلحات حسب فريد الأنصاري رحمه الله قديمة حديثة، قديمة الاستعمال متغيرة الدلالة بتغير السياقات السياسية والاجتماعية، فأضحت حمالة لعدة أوجه وقع بسببها الغبش والخلط بين الاستعمال القديم والاستعمال الحديث، مما أدى إلى نشوء فهوم للإصلاح الديني مبنية على أصول موهومة ومقولات غريبة عن مقاصد الشريعة وقواعد التشريع.
وتجلى أثر هذا الخلط بشكل واضح في بناء الدولة الإسلامية، هل هو هدف بعينه من إقامة الدين، أم وسيلة، أو هو نتيجة له فقط أي ليس هدفا بحد ذاته ولا وسيلة له؟ فالذين جعلوا الدولة هي الهدف سلكوا مسلكين مختلفين: إما المراهنة على الانقلابات والثورات، أو السير إليها عبر صناديق الاقتراع. ومن رأوا أن الدولة هي نتيجة فقط سلكوا مسلك الإصلاح الديني الشعبي على أساس أن صلاح الدولة هو نتيجة طبيعية لصلاح المجتمع.
ويرى فريد الأنصاري رحمه الله أن هذا الغبش نابع من عدم إدراك مراتب التشريع في الإسلام، فإن ما كان في الشريعة الإسلامية أولى بالتشريع حسب القواعد المؤصلة له كان هو الأولى بالتدين والتعبد، بمعنى:" أن ما كان أولى بالتشريع كان أدخل في دين الله وكان من أولويته ومن مقاصده العظمى، وما لم يكن كذلك كان من وسائله وتوابعه ليس إلا، وأما ما لم يكن من هذه ولا تلك، أي لا هو مما يدخل في الرتبة التشريعية الأولى ولا الثانية ولا الثالثة فليس من دين الله لا أصالة ولا تبعا".
وهذا الحكم المستنبط من هذا التأصيل أسقطه الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله على الأحكام السياسية التي يقصد بها كل التشريعات المتعلقة بتدبير الشؤون العامة للدولة على المستوى الدستوري والإداري والتنفيذي، وهذا ما سماه الفقهاء قديما بالأحكام السلطانية، فوجد أنها لم تنل من التشريع الإسلامي في الغالب إلا المرتبة الثالثة، لأنه ليس لها من النصوص التشريعية إلا النزر القليل جدا، وإنما مجالها الاجتهاد المحض. وهنا ميز رحمه الله بين القوانين التشريعية التي هي مادة بناء الدولة وهي موجودة في الكتاب والسنة والاجتهاد مجملة ومفصلة، والقوانين التشريعية الكفيلة بتنظيم فن حكم الدولة وإدارتها كالقانون الدستوري والإداري، فهذه هي التي مجالها الاجتهاد المحض. لأنها داخلة فيما يسميه الأصوليون بالمسكوت عنه، والذي يفيد أحد أمرين: إما تركه على مقتضى الإباحة والبراءة الأصلية، وإما إحالته على الاجتهاد الشرعي، وهذا يدل على عدم اعتباره من الأصول الدينية العقدية أو التعبدية.
لهذا يرى رحمه الله أنه كان من الخطأ في المنهج أن تختزل الدعوة الإسلامية في برنامج سياسي، لأن الدين قضية وجودية كبرى تتعلق بكينونة الإنسان في الوجود، ومذهبية شاملة في الخلق والمنشأ والمحيا والممات ثم المآل والمصير. ولقد أدى هذا الاختزال إلى انحراف خطير حيث أصبح الموقف السياسي مقياسا يوزن به التدين لدى هذه الحركة أو تلك، وأن الدعوة إلى التدين هي دعوة قائمة عمليا على التعبئة لموقف سياسي معين. كما أن ذلك الموقف السياسي من جهة ثانية يصوغ التدين في صورة معينة، كل ذلك في نهاية المطاف يقدم التدين على أنه حركة احتجاجية أكثر منها هو حركة تعبدية بالمعنى الحقيقي للكلمة.
كما يرى أن هذا الانحراف أدى إلى نشوء نفسية صدامية لدى بعض الحركات الإسلامية، وهي أي النفسية الصدامية المعبر عنها في الاصطلاح القرءاني بالغلو في الدين، وهو المبالغة في تضخيم بعض الجوانب في الدين على حساب أخرى تصورا أو ممارسة أو هما معا.
ويرى أن من مقويات هذا الانحراف والانزلاق نحو الصدام السياسي الجهل بالإسلام وغياب التوجيه الفقهي للحركات الإسلامية، التي استدرجت لتلعب خارج حلبة الصراع الحقيقية وهي تدين المجتمع، فالمجتمع الإسلامي اليوم مهدد في عقيدته من حيث هي سلوك اجتماعي يحفظ هويته من الضياع، فالإيمان الذي تحتاجه الأمة اليوم كما يرى فريد الأنصاري رحمه الله هو الشعور بالإسلامية أي الوعي بخصوصية الهوية الدينية والسلوكية للمجتمع المسلم على المستوى الفردي والمؤسسي.
واقترح رحمه الله لتجاوز هذا الخطأ وتصحيحه توظيف كليات وقواعد ما سماه بـ" أصول الفقه السياسي" في تنزيل أحكام الدعوة الإسلامية المعاصرة في النفس والمجتمع.
فأصول الفقه السياسي حسب الأنصاري رحمه الله هو:" كليات وقواعد، أما البرنامج السياسي فهو فقه جزئي تطبيقي، أي عنصر جزئي من عناصر أصول الفقه السياسي لأنه ليس مقصودا بالأصالة في تجديد العمران الديني للمجتمع بل هو مقصود بالتبع. فأصول الفقه السياسي هو منهج معرفة سنن التحولات، وسنن التوقعات والمآلات فيما يتعلق بتدبير شؤون المجتمع على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، وبهذا كان مصدرا من مصادر فقه الدعوة الإسلامية".
فمصطلحات الدولة والحكم والسياسة وقع بسببها غبش وخلط أدى إلى نشوء فهوم للإصلاح الديني بعيدة عن مقاصد الشريعة وتجلى أثر هذا الخلط بشكل واضح في بناء الدولة الإسلامية، هل هو هدف بعينه من إقامة الدين، أم وسيلة؟ هل الأصل بناء الدولة أم بناء الإنسان الذي يعمر الدولة؟
ويرى رحمه الله أن الأصل هو بناء الإنسان بترسيخ التربية الروحية النابعة من وظيفته التعبدية، فهي الأصل التشريعي، والمقصد الأعظم من الشريعة أي إخراج الإنسان من داعية هواه إلى عبادة مولاه. فالدولة والحكم والسياسة قصد ثانوي وتبعي للأصل الذي هو تحقيق الغايات التعبدية. لذا فالقضية الكبرى هي أن تتجه الدعوة الإسلامية نحو بناء الإنسان روحيا، لا أن تختزل في برنامج سياسي يولد انحرافا منهجيا عن المقصد الأصلي.
لهذا وضع رحمه الله قواعد عاصمة للمنهج الدعوي عن الانحراف والزلل سماها بأصول الفقه السياسي، الذي يحدد الغايات ويرتب الأولويات، ويستشف المآلات، وأول الأولويات هي بناء الإنسان بالقرءان، وترسيخ التربية الروحية بتجديد الوعي الديني، أم العمران والدولة والسياسة في مقصد تبعي لا أصلي، وإلا كانت الدعوة الإسلامية قاصمة لا عاصمة.


فريد الأنصاري - مشروع - الإصلاح - التربية - الروحية - القرءان - الحركة الإسلامية - الفقه السياسي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع